إن كان البعض يري في مشاركة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في المنتدى الدولي للسلم و الأمن بداكار نقطة تحول جديدة في العلاقات الموريتانية السنغالية، فإن لهذه المشاركة على المستوي الجيوستراتيجي في منطقة الساحل قراءة أخري تمثل في بوارد مقاربة جديدة تريد موريتانيا في ظل نظام حكمها الجديد التخلي التدريجي و التخفف من قيود الالتزامات و المسؤوليات في منطقة باتت وتيرة العنف فيها تسير بشكل خطير و مخيف.
لقد قاطع الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز منتدى داكار للسلم و الأمن باعتباره إطار أنشأته الحكومة السنغالية كمنتدى منافس لمجموعة الدول الخمس بالساحل، و ذلك على خلفية إصرار الرئيس ولد عبد العزيز على إبعاد داكار من تحالف الدول الخمس للساحل رغم دعم فرنسا لمشاركة السنغال فيه.
لقد استبطن القادة المؤسسون لمجموعة الدول الخمس للساحل فكرة تحييد و استبعاد بعض الدول المحورية في الساحل و كذلك بعض الدول اللصيقة جغرافيا بالإقليم من عضوية الإطار الذي رأي النور سنة 2014، و ذلك خوفا من المنافسة الإقليمية الفاعلة داخل الإطار و لتجنب طغيان تأثير هذه الدول، التي نذكر منها السنغال ، التي عبرت في أكثر من مناسبة عن امتعاضها من تغييبها من المجموعة.
إن حضور ولد الشيخ الغزواني كضيف شرف لهذا المنتدى في ظل مقاطعة بقية قادة الدول الأعضاء لمجموعة الخمس بالساحل، يعطي رسالة قوية فحواها أن البلد الذي كان أطلق مبادرة الدول الخمس للساحل و كان رئيسه السابق من أكثر قادة دول الخمس للساحل تعنتا في وجه الانفتاح على المبادرات الإقليمية المتعلقة بالمنطقة، و رفضا لدخول أي فاعل جديد لهذا الإطار، بدأت بوصلة اهتماماته و أولوياته بالمجموعة تتجه نحو مسار آخر.
ثم إن كلمة الرئيس ولد الغزواني في المنتدى، التي نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء، خلت من أي ذكر لمجموعة الدول الخمس للساحل في جهود محاربة الإرهاب بالمنطقة، مكتفية فقط بالتركيز على المقاربة الأمنية الموريتانية في مجارية الإرهاب.
صحيح أن الحكم سابق على إطلاق موقف نهائي من مقاربة غزواني و رؤيته لمستقبل مجموعة الدول الخمس للساحل، فلا ما مضي من حكمه يسمح بتقييم موضوعي كما أن معالم توجهات سياسيته الخارجية و نظرته للأمن بالمنطقة لم تتحدد بعد بما يخول إعطاء رأي فيها مؤسس، إلا أن هذا لا ينفي وجود مؤشرات فاترة لدي النظام الجديد بخصوص الفاعلية المستقبلية لموريتانية كعضو في مجموعة الدول الخمس بالساحل، نذكر منها:
-إسناد ملف الدفاع للجنرال حننه ولد سيدي: تعيين ولد حننه على رأس وزارة الدفاع كان مؤشرا غير مطمئنا لباقي أعضاء التحالف الإقليمي في الساحل، فالرجل قادم لتوه من قيادة القوة العسكرية في الساحل، و قد كان أدائه مثار جدل و انتقاد من طرف الصحافة الإقليمية و بعض السكان الماليين الذي نظموا مظاهرات احتجاجية مطالبة باستقالته أكثر من مرة،و ذلك على خلفية تصاعد العنف في فترته من جهة ، و اعتراضا على قراره نقل مقر القيادة من منطقة سافاري إلي العاصمة باماكو من جهة أخري، حيث رأي الماليون في هذه الخطوة فرارا من ساحة المواجهة و عدم تحمل لمسؤولية المواجهة مع الجماعات المسلحة.
فوزير الدفاع الجديد القادم من عمق العمليات العسكرية بالساحل، و الذي عبر في أكثر من مناسبة أثناء إدارته لملف العمليات العسكرية بالساحل، عن وجود عجز كبير في الوسائل قد تحمل رسالة تعيينه تحولا في المقاربة الموريتانية بخصوص الساحل و التي اتسمت بالاندفاع و الفاعلية في فترة الرئيس السابق.
-غياب ولد الغزواني عن قمة السلام المنظمة قبل أيام بباريس: يعتبر عدم حضور ولد الغزواني لهذه القمة التي نظمت قبل حوالي أسبوع بالعاصمة الفرنسية باريس مؤشر آخر على عدم تحمس الرئيس الموريتاني الجديد لقضايا الساحل، فهذه القمة تعتبر بمثابة المطبخ الذي تنضج فيه باريس القضايا المتعلقة بالساحل بحضور حلفائها الدوليين و حلفائها بمنطقة الساحل ، و قد حضرها ثلاثة من رؤساء الدول الخمس بالساحل، و كان ولد عبد العزيز من أحد القادة اللذين حضروا نسختها للعام الماضي.
إن استحقاقات وحجم تحديات الملف الأمني و العسكري الماثلة أمام المجموعة سواء تعلق الأمر بالدعم المالي للقوة الذي يعاني من صعوبات شديدة رغم الالتزامات التي قدمها بعض المانحين لتغطية المصاريف السنوية للقوة، أو الأداء الميداني للقوة الذي يواجه انتقادات قوية من قبل المراقبين أمور تدفع قادة دول الساحل لرفع الوصاية بشكل تدريجي عن الملف الأمني بالساحل، لكن حدود رفع هذه الوصاية ستتأثر حتما بمدي نجاح أو أخفاق هذه القوة.
ثم من مصلحة موريتانيا النأي بنفسها عن الدور الطلائعي في هذا الملف الذي يتضح يوما بعد آخر أن فاتورته مكلفة المكلفة أمنيا و استراتيجيا، و أن الإسناد الدولي له لا يزال ضعيفا.