حان للكثيرين أن ينهوا "ربيع الصمت" الذي يعيشه البلد، وأن يتحدثوا بصراحة فالأمور بدأت تتكشف، وهناك الآن طرفان فاعلان: الأول يخطط لـ"انقلاب عسكري" تحت أي يافطة كانت يصل بموجبها عسكري آخر إلى القصر الرمادي،
أو دمية مدنية توفر المزيد من الظلال القاتمة لخشبة المسرح العسكري الوطني.. والطرف الثاني يخطط لـ"انقلاب سياسي" من أجل مجرد الكعكة وليس من أجل موريتانيا، ولا من أجل شعبها.
أنا هنا أتحدث عن أقطاب الحكم الحالي، وليس عن سواهم، فهؤلاء هم من أطلق "ربيع الشائعات" لجس نبض الشارع، وتحضيره للانقلاب على رئيس مريض طريح الفراش في الخارج، يستحي حتى أشد مناوئيه من الدعوة لإسقاطه في هذه الظرف الأخلاقي الذي لا يقبل التجزئة. بلغة أهل السوق. لكن يا للخلايا السرطانية حين تهاجم.. ويا "للفروسية" حين يغير الرجال على المقابر.
إن أي شيء لا يفاجئني في الأغلبيات التلقائية، فأنا أعرف أن الموالاة عندنا منذ خمسة عقود ذات الوجهين، لا ذات النطاقين.. والفرق شاسع بين تعدد الوجوه وتعدد النطاقات.
أما على مستوى المعارضة، فأنا "لست الشخص الثاني"، وعلى عكس ما يتصوره الكثيرون، فإن منسقية أحزاب المعارضة الموريتانية – ويا للمفارقة – باتت هي الخاسر الأكبر من الحادث الذي تعرض له الرئيس.
ففي حين تجرأت أقطاب في الموالاة "البوقية" على السعي لتأمين مستقبلها في كل الاحتمالات، فقد غاب زعماء في المعارضة، وظل آخرون يجترون مع الشارع العام كلمات باهتة من قبيل حقيقة الحادث، وهل تصدق رواية الضابط الذي أطلق النار على الرئيس؟ وهل حقا كان الرئيس في مخدع رجل غيور؟.. ومن يحكم البلاد حاليا، والجميع يعرف أن الجيش كان يحكمها ولا زال يحكمها وسيستمر في ذلك إلى ما شاء الله، وإلى أن ترى النور معارضة استراتيجية، أو موالاة وطنية لا تقيس الولاء للوطن بمداخيل الجيب.
يروعني حقا هذا الصمت الذي خيم على المثقفين الموريتانيين، وكأن الوضع يجري في بلد على كوكب آخر.. دائما يسكت المثقفون عن عهر السياسيين، لكن ليس مقبولا أن يتحول المثقفون إلى بوابين للماخور.
يجب أن ينتهي هذا الصمت القاتل، وأن يتم وضع حد للترقب المريب.. فهذا البلد ليس ضيعة لقبيلة، أو جنرال، أو موالاة ومعارضة.. إنه بلد يملكه شعب يستحق أن يتم إطلاع على الحقيقة كاملة غير منقوصة..
ولكي لا أطيل عليكم، فإنني أرى أن مصائر الشعوب والبلدان لا تتحمل اللف والدوران، والشقلبة، ولا المجاملة.. ومن هذه الحروف أعلن:
1. رفضي لأي انقلاب عسكري.
2. مطالبتي بمصارحة الشعب الموريتاني بحقيقة الوضع الصحي لرئس الجمهورية.. وعلى الجيش والحكومة أن يطلعا الرأي العام الوطني على وضع رئيسه ومكانه وحالته.. فلا يوجد اليوم في العالم رئيس مجهول المكان إلا رئيسنا نحن الموريتانيين.. الرئيس إذا كان عاجزا، لا قدر الله، فهذا ليس عيبا، وعشرات الموريتانيين يمكنهم تولي الأمانة.. والرئيس إذا كانت وعكته عادية وصحته تتحسن، فما يمارس ضده الآن جريمة تاريخية، وفضيحة أخلاقية، ولؤم بشع، لا يستحقه من طهر أرض المنارة والرباط من الصهيونية.
3. أرفض توزيع الإهانات على الجهويات والقبائل، وأرفض تحويل محنة رئيس الشعب الموريتاني إلى محنة عائلية، وشأن حريم.
4. أرفض تسميم الأجواء.. فالرئيس إذا عاد، وهو ما أتمناه، لن يصفي الحساب مع أحد، ويسجل له أنه لم يصف الحساب حتى مع العسكري الذي أطلق النار عليه.. وأعتقد أنه سيصفي الحساب مع أسلوب حكمه أولا.
5. أطالب بإجماع وطني بين الموالاة والمعارضة على أي خطوة قد يتطلبها الوضع.
6. التمسك بالموقف الأخلاقي الذي ظهر به شعبنا أمام العالم في المحنة التي تعرض لها الرئيس شفاه الله وعافاه.