إن الشعب الموريتاني منذ تربع الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع على رئاسة الجمهورية وهو يمتهن التطبيل ، ويكرس الإقصاء ؛ مما جعل أطره يتنافسون في ظواهر التطبيل والنفاق ، وقلب الحقائق وتزييفها ؛ ولكن بدأ الأمر يتطور شيئا فشيئا حتى صار ذلك النهج والتوجه ثقافة متحذرة لدى المجتمع ، ووسيلة وحيدة للعيش الكريم على ظهر الدولة الموريتانية ، وعلى حساب الفقراء والمهمشين .
وظل الأمر مستقرا على ذلك الحال حتى وصلنا لبداية العشرية الأخيرة التي تنامت فيها الفكرة ، وتجذرت كثيرا ، ونتيجة لذلك صار كل رئيس حكم البلاد على يقين تام بأن رجال الشأن العام ، وكافة الأطر والفاعلين السياسيين لن يتخلوا عنه أبدا بسبب ما دبجوا فيه من مديح ومناصرة ، وما أسمعوه من شكر وثناء ؛ الأمر الذي جعل كل من حكم البلاد لم يهتم بإصلاح البلاد وبنائها ، ليجعلها دولة مؤسسات على غرار أغلب دول الجوار الفقيرة ؛ والتي لايزال بيننا وهي أشواطا كبيرة ، ومسافات شاسعة .
من هنا وانطلاقا من الفساد الذي شهدته الدولة خلال عشرية الرئيس سابق، ورجالات نظامه الفاسد الذي لم يترك البلد إلا على حافة الانهيار ، وهامش الإفلاس .
ونظرا لمجريات الساحة السياسية الآن ، والتي تشهد انفجارا سياسيا خطرا بسبب محاولة انقلاب الرئيس السابق على الشرعية ؛ مما نتج عنه تحلل كافة القوى السياسية ، وتخليها عن الرئيس السابق، وإعلانها لدعمكم اللامشروط، وهو - وإن كان أمرا يناسب المرحلة - لا يتماشى مع الوفاء بالعهد ، ولا يتناسب مع بدأ القناعة، وخدمة المصالح العامة ؛ بل يترجم مدى تعلق هؤلاء بمن يجلس على ذلك الكرسي مهما كانت نتيجته وفائدته على الوطن أو الشعب ؛ لأن أولئك لا يدعمون إلا من أجل بطونهم ، وتأمين مصالحهم الخاصة ، والفاسدة غالبا .
فجميع الممجدين لعشرية الفساد ، والمستفيدين منها ماليا وسلطويا ، والمدبجين للقصائد والمقولات لقائدها ، والمدافعين عنها تحدثا ، وكتابة هم أول من قفز من سفينة صاحبها ، والتحق بركبكم ... فانتبه لمثل تلك الأفعال والأقوال الحربائية الدنيئة ؛ فجلهم فعلها مع الرؤساء السابقين كمعاوية وغيره .
فكأن ابن الرومي يقصدهم بقوله:
ملَكَ النفاقُ طباعَه فتَثَعْلَبا
وأبى السماحةَ لؤمُهُ فاستكلبا
فترى غروراً ظاهراً من تحته
نَكدٌ فَقُبِّح شاهداً ومُغيَّبا
ولَشرُّ من جرَّبتَهُ في حاجةٍ
من لا تزال به مُعنَّىً مُتعبَا
من لا يبيعُك ما تريد ولا يرى
لك حُرمةً إن جئته مُستوهِبا .
ومادام أولئك هذا هو حالهم مع كل حاكم قادم فعليكم يافخامة الرئيس غزواني أن تستفيدوا من تجربة ترك المصفقين لصديقكم عند أول اختبار ، وبتلك السرعة ، وأن تعرفوا جيدا أنهم لا عهد لهم مع غير الجالس على كرسي الحكم .
كما عليكم أن لا تراهنوا عليهم مستقبلا في أي ولاء ، ولا مناصرة ، أو مساندة إلا من مصدر قوة ، أو موقع سلطة .
واحذروا من التعويل عليهم في الإصلاح ، أو التغيير ؛ بل عليكم أن تبذلوا جهودكم في الإصلاح والبناء ، والتعفف عن المال العام ، ومحاسبة المفسدين ، وتوزيع الثروة والمناصب بعدالة مثلما تعهدتم به في برنامجكم الانتخابي ؛ فذلكم أضمن لاستقرار بلدكم وتماسك شعبكم ، وكسبكم لرهان الشعب ووده ؛ لأنه أصبح يشهد وعيا ونضجا ، ومل الوعود ، والكلام الفارغ ، وبهرجة المنافقين والمصفقين ؛ ولن يبقى في ذاكرته إلا ماستقدمونه من إصلاح وإنجاز ، وخدمة .
فأغلب الذين أصدروا بيانات بدعمكم والتمسك بنهجكم من النواب هم من طالبوا السنة الماضية بمأمورية ثالثة للرئيس السابق في انتهاك صارخ للدستور ، ووقعوا عريضة برلمانية بذلك ؛ فهم إذن عارضوا ترشحكم للرئاسة ، ووقفوا أمامه ، ولكن بقدرة قادر خاب سيعيهم ، وفشل مبتغاهم ولله الحمد.
فكن دائما متمثلا في وجه رواد التطبيل ، ومنظري النفاق بقول على بن أبي طالب كرم الله وجهه :
لا خير في ود امرئٍ متملقٍ
حلو اللسانِ وقلبهُ يتلهبُ
يلقاك يحلف أنهُ بكَ واثقٌ
واذا توارى منك فهو العقربُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوةٍ
ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ .
نريد منكم يافخامة الرئيس غزواني تأسيس مرحلة جديدة يسودها الصدق والوفاء ، والوحدة والتلاحم ، والحرية والانفتاح، والعدل والمساواة ، وبناء دولة قانون، ومؤسسات ؛ كي تختفي ثقافة النفاق السائدة ، والكذب والخيانة ؛ والتفرقة وخطاب الكراهية، والظلم والغبن والتهميش والازدراء بالمواطن الموريتاني مهما كانت صفته وموقعه المجتمعي ، وإعلان نهاية فعلية لدولة الأفراد والقبائل والمشيخات .
كما نريد كأولوية إصلاح التعليم ، والصحة، وتوفير الأمن، وتخفيض الأسعار، وخلق فرص لتشغيل الشباب العاطل عن العمل !