"أَجَلْ": في النشيد الوطني / إسلم بن السبتي

ما من شك أن النشيد الوطني الجديد قد انطلق من معجم قوي الألفاظ، شديد السبك، ذي بناء موسيقي رنان. غير أن ما أثارني فيه هو حرف: أجل، فطفقت أبحث عن استعماله، ومدى فصاحته، ونسبة دورانه في مواطن الاستشهاد، فأسلمني ذلك كله إلى هذا البحث المتواضع.

يدخل هذا التركيب الثلاثي ضمن ما يسمى بحروف الجواب وهي: نَعَمْ، وبلى، وأجَلْ، وإنّ،  بمعنى نَعَمْ وإيْ، وجَيْرِ، وقيل: هي اسم.

وتستعمل: أجل خاصة في الإجابة المثبتة مثلها مثل: إي، فنقول: أجل، حضر زيد. أجل، زيد حاضر. ومثل قول الشاعر:

يقولون لي صفْها فأنت بوصفها       خبيرٌ أجل عندي بأوصافها عِلْمُ

كما تستعمل حرف جواب مثل نعم. وتكون لتصديق الخبر، ولتحقيق الطلب. فنقول لمن قال قام زيد: أجل. ولمن قال اضرب زيداً: أجل. قال الشاعر:

ولو كنت تعطي حين تسأل سامحت     لك النفس، واحلولاك كل خليل

أجل، لا، ولكن أنت أشأم من مشى     وأسأل من صماء، ذات صليل

غير أنها لا تؤكد نعم بها، وقد ورد ذلك في بيت طفيل الغنوي حيث قال:

وقلن: على البردي أول مشرب     أجل، جير، إن كانت رواء أسافله

وتعرف أيضا هذه الحروف بحروف التصديق وهذا ما أشار إليه الزمخشري بقوله:"

 ومنها حروف التصديق وهي: " نَعَم " و " بَلى " و " أَجَلْ " و " إيْ ".  " فنَعَم ": تصديقٌ لما تقدّمها من كلام مُثبتٍ أو مَنْفيِّ خبراً كان أو استفهاماً كما إذا قيل لك: قام زيدِ فقلتَ: نعم كأنَّ المعنى: قام أو قيل: لم يقم فقلتَ: نعم، فالمعنى لم يقم وكذا إذا قيل: أقام زيدٌ أوْ ألم يقم ؟ وقد قالوا: إنَّ " نَعَمْ " تصديقٌ لما بعد الهمزة، و" بَلَى ": إيجابٌ لما بعد النفي. كما إذا قيل: لم يقم زيدٌ أو: ألم يقم زيدٌ ؟ فقلت: بلى. كأنَّ المعنى: قد قام. و" أجَلْ ": يختص بالخبر نفياً وإثباتاً. و" إيْ " لا تُستعمل إلا مع القسم. ثم يركز على عمل: أجل، فيقول: " وأجل لا يصدق بها إلا في الخبر خاصة حين يقول القائل: قد أتاك زيد، فتقول" أجل، ولا تستعمل في جواب الاستفهام.

وقد حكى الجوهري عن الأخفش، أن: نعم، أحسن من أجل، في الاستفهام، وأجل، أحسن من نعم في الخبر، فجوز على ما ترى، مجيئها في الاستفهام.

- في الحديث النبوي:

وقد وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين سمع شعر النابغة الجعدي، فأعجب به، وأطلق رأيه فيه. فعن البغوي:  حدثنا داود، هو ابن رشيد حدثنا يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة يقول: أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم:

          بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا     وإنا لَنَرجُو فوقَ ذلكَ مَظْهَرَا

فقال: "أين المظهر يا أبا ليلى؟ "، قلت: الجنة، قال: "أجل، إن شاء الله تعالى".

- دورانها في الشعر:

أما الشعر فقد وردت في شعر الفحول وحضرت في فكر كوكبة منهم تناولتها المصادر على شكل أبيات منفردة، أو شواهد شعرية. فمن ذلك قول أبي هشام الباهلي وقد ذكرها في أول بيت من مقطوعة مرثية له حيث قال:

يا بؤس ميتٍ لم يبكه أحــــــــــــــــــدُ      أجلْ ولم يفتقدهُ مُفتَقِدُ

لا أمُّ أولاده بَكتهُ ولــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم      يَبْكِ عليه لفُرقةٍ أحَدُ

ولا ابنُ أختٍ يبكي ولا ابن أخ     ولا حَميمٌ رَقَّتْ له كَبِدُ

بَلْ زعموا أن أهَله فــــــــــــــــــــــــــــــرحاً     لما أتاهم نَعِيُّه سجدوا

وما أعذب قول الشيخ شرف الدين بن الفارض:

يقولون لي صِفْهَا فأنتَ بوصفها      خبيرٌ، أجلْ عندي بأوصافها علمُ

صفاءٌ ولا ماءٌ ولُطْفٌ ولا هــــوَى      ونورٌ ولا نـــــــــــــــــــــار، وروحٌ ولا جسمُ

ولابن نباتة المصري، الشاعر الكبير مشاركة في استعمال" أجل" ضمن أشعاره الجميلة، حيث قال متغزلا:

وأَغْيَدُ حارَتْ في القُلوبِ لِحاظهُ     وأَسهرَتِ الأَجفانَ أَجفـــــــــــــــانهُ الوَسْنَى

أَجِلْ نظراً في حاجبيهِ وطَـــــــــــرْفِهِ     تَرَى السّحرَ منهُ قابَ قوسينِ أَو أَدْنَى

وقوله يمدح شهاب الدين أحمد بن أسعد الطغرائي من قصيدة مطلعها:

إِذا لم يخن صب فَفيمَ عتابُ     وإن لــــــــــــــــــم يكن ذنب فممَّ يُتابُ

أجل ما لنا إلاَّ هواكم جنـــــاية     فهل عندكم غيرَ الصدود عقابُ

وقد وردت في شعر أبي تمام الشاعر الكبير، وشاعر الصنعة، وذلك ضمن قصيدة طويلة حيث قال مخاطبا لربع حبيبته:

أَجَل أَيُّها الرَّبعُ الَّذي خَفَّ آهِلُه     لَقَد أَدرَكَت فيكَ النَّوى ما تُحاوِلُه

وهذا البيت شرحه أبو العلاء المعري بقوله: و"هذا لا يمكن أن يكون إلا على كلام متقدم؛ لأن أجل في معنى نعم، ولا معنى لقولك هذه الكلمة إلا وقد سبقها كلام من غيرك، فكأنه ادعى أن الربع كلمه وشكا إليه؛ فقال له: أجل أيها الربع".

وقال سويد المرائد الحارئي، من أبيات الحماسة:

لعمري لقد نادى بأرفع صوته       نعى حيي إن فارســـــــــــــــــــــكم هوى

أجل صادقًا والقائل الفاعل الذي    إذا قال قولاً أنبط الماء في الثرى

- دورانها في الشواهد الشعرية

ومن فصاحتها أنها وردت ضمن الشواهد الشعرية التي ذكرت في مصادر اللغة، فمن ذلك ورودها في الشاهد التالي:

وَقُلْنَ عَلَى الفِردوس أَوَّلُ مَشْرَبٍ     أَجَلْ جَيْرِ إن كَانَتْ أُبِيحَتْ دَعَاثِرُهْ

ووردت شاهدا آخر في البيتين التاليين:

وقُلْنَ أَلَا الْبَرْدِي أَوَّلُ مَـــــــشْرَب      أَجَلْ جَيرِ إِنْ كَانَتْ رَوَاءً أَسَافِلُهْ

تَحَاثَثْنَ وَاسْتَعجَلْنَ كُلَّ مُوَاشِك     بِلؤمَتِهِ لَم يَعُدْ أَنْ شقَّ بَـــــــــــــــــــــــــازِلُهْ

وموضع الاستشهاد فيه، كما في سابقه، قوله: "أجل جير" لأن كلتيهما بمعنى الإيجاب، وإنما ذكرا معًا لأجل التأكيد فكأنه قال: أجل أجل أو جير جير.

كما وردت شاهدا في شعر ذي الرمة وذلك في اجتماعها مع (لا) في قوله:

 ترى سيفه لا تنصف السّاق نعله   أجل لا ولو كانت طوالا محامله

أما إعادة الحرف متصلا فشاهدها قول أعرابي:

   فما الدّنيا بآتية بحزن     أجل لا لا ولا برخاء بال

- مرادفاتها

وكما لا حظنا سابقا فإن لها مرادفات وردت في أساليب العربية، وذكرها علماء اللغة، فمن ذلك " إنه". قال سيبويه: وأما قول العرب في الجواب (إنه) فهو بمنزلة أجل، وإذا وصلت قلت: إن يا فتي وهي التي بمنزلة أجل. وهي قليلة الاستعمال.

وأما "جيرِ"، بفتح الجيم وكسر الراء، وقد تفتح قليلا، فهي حرف إيجاب بمعنى: (أجل) و (نعم) وهو أكثر ما يستعمل مع القسم. وقيل هي كلمة تحلف بها العرب، فتقول: جبر لأفعلن. وقد ورد شاهدها في الفقرة السابقة.

وخلاصة القول أن هذا التركيب الثلاثي له من الفصاحة، وسهولة الاستعمال، ما يجعله وسيلة لغوية شائعة، وردت في الحديث الشريف، وأشعار العرب، وهي بذلك ليست أداة نفورا، بل مركبا ذلولا امتطاها فصحاء العرب، فحملتهم في رحاب اللغة، فأسلموها لغيرهم من ناطقي لغة الضاد يستعملونها ما شاء لهم ذلك. وما استعمالها في نشيدنا الوطني إلا استجابة لإحيائها لمن يتوهم عدم طواعيتها لأساليب العرب وفصاحتهم.

27. نوفمبر 2019 - 0:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا