في الموروث الشعبي أن خنزيرا بريا، أوهم مجموعة من الحيوانات بأن وراء التلة وليمة، وكلما أبلغ أحدهم انكب على وجهه... برهة، لاحظ أن لا أحد منهم عاد أدراجه، فردد في صمت لعلها حقيقة، ولحق بهم.
تلك بالضبط هي السياسة التي ينتهجها حكام موريتانيا اليوم، والذين التزموا الصمت حيال الواقع، ربما حملت الأخبار ما صادف هوى في نفس أحدهم فمنح نفسه الوقت لتصديقها.
لقد التزم هؤلاء القادة، ساسة وعسكرا الصمت حيال ما تسرب من أنباء حول صحة الرئيس ومحاولة إحداث تغيير سلس في الإدارة، لأن الأمر لم يكن يتعلق مطلقا بانقلاب عسكري كما اعتقد البعض، رغم الأنباء المؤكدة بأن بعض القطاعات داخل القوات المسلحة كانت على أهبة الإستعداد تصديقا منها هي الأخرى للحدث واستعدادا للحظة الحاسمة، كما شهدت بعض الوحدات حالة من الإرباك لأنها بالضبط مثل المواطنين البسطاء كانت تنشد الخبر اليقين. هكذا إذن ومهما نفت أو صدقت جهات مقربة من الرئيس أخبار الأمس، فإن هذه الأخبار في جانب منها حققت هدفها، حيث خرج الحزب الحاكم عن صمته، ومن يدري قد يتنازل الجنرال "الحاكم" بدوره عن "ربوبيته"، اقتداء بامبراطور اليابان الذي تعود مواطنوه أن يتلقوا الأوامر فقط من وزيره الأول ولم يخاطبهم الإمبراطور يوما من الأيام.. لكن عقب هزيمة طوكيو في الحرب العالمية الثانية، استمع اليابانيون لكلمات "هيرو هيتو" وهم من اعتقد قبل هذا التاريخ أنه "ربا" لا ينزل إلى مستوى مخاطبة البشر. جملة من الأسباب كانت كافية بالنسبة لي لتصديق ما يحدث: أولا: مسؤول في الخارجية الفرنسية مكلف بالملف الإفريقي أكد لمصدر تثق به الحرية، أن موريتانيا على مشارف حدث سياسي بارز ولم يحدد طبيعته. ثانيا: إقدام السفارتان الأمريكية والفرنسية على إلزام مواطني البلدين عدم مغادرة منازلهم، ثم عادت اليوم وطلبت منهم اتخاذ الحيطة والحذر. خطوتان تأكدت الحرية من حدوثهما وتكفيان بالنسبة لإعلام يحترم متلقيه، مؤشرا لنازلة على مشارف الحدوث.
هذا بالإضافة إلى تعزيزات أمنية جرت عند منزل الوزير الأول صبيحة ذلك اليوم بغض النظر عن الأسباب، "عقيقة"، زيارة مفاجئة قام بها الجنرال الغزواني لولد محمد لقظف، المهم أنها حدثت، واشفعت لاحقا باجتماع للمجلس الأعلى للأمن. إلى هنا أستغرب أن يخرج علينا الحزب الحاكم في ظل كل هذه التراكمات ليسمي ما حدث مساء أمس بـ (ربيع الشائعات المغرضة حول صحة رئيس الجمهورية)، عن أية شائعات يتحدث هؤلاء وهم من طبخها وصنعها وصمت عنها صمت القبور، 10 ساعات، كانت كافية لإرباك المشهد السياسي الموريتاني. لقد كان حريا بالحزب الحاكم أن يطالب حكومته بإصدار بيان رسمي يعطي للمواطن معلومات مفصلة حول صحة الرئيس، ومن يحكم البلد، وليس التمترس وراء أبراج عاجية، وانتهاج سياسة النعامة التي برهنت الأيام أنها ضارة ولا تخدم بأي شكل من الأشكال الحفاظ على الأمن والسكينة العامة.