تابعت بإمعان خطاب رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة عيد الاستقلال الـ(59)، وكان خطابا نافذا إلى القلوب؛ أعطى للاستقلال مفهومه الجامع المانع على مستويات الشكل، والمحتوى، والامتداد الأفقي.
ففي شكله كان عدد الكلمات قليلا لكنها شحنت بمعاني الوفاء بالعهود على مختلف الأصعدة. أما المضمون فقد تناول مقتضيات الاستقلال الحقيقي سياسيا، وثقافيا، واقتصاديا مع التنبيه على تحقيق (الشرط المبدئي) المتمثل في توطيد الوحدة الوطنية. وفي ما يتعلق بالامتداد الأفقي لـ"ـخطاب الأمل" فإنه خلا من الحشو «العَشْري» -والعشريني والثلاثيني- ولم يفته أن يلفت النظر إلى جميع المساهمات الطيبة لمختلف الأنظمة منذ الاستقلال، مع مد اليد إلى جميع الفرقاء الوطنيين دون استثناء أو إقصاء، إلا من أقصاه مروقه على القانون والنظام العام فذلك وشأنه.
أين يجلب خطاب "تعهداتي" الأمل؟
إن أعظم وأفسح أمل للشعوب هو شعورها بإمكان العدل من خلال مفهوم (ترسيخ دولة القانون)، وقد تضمن هذا الخطاب، الذي استمر لمدة سبع دقائق وأربع وعشرين ثانية (7د:24") فقط، معنى ترسيخ دولة القانون فيما زاد على ستَّ عَشْرَةَ (>16) مرةً، تصريحا أو تلميحا، أذكر منها تمثيلا لا حصرا: "كدولة بالمفهوم الحديث"، "تشييد دولتنا المعاصرة"، "شعور قوي بالمساواة"، "ترعاه الدولة بالعدل والإنصاف"، "ترسيخ العدالة"، "مكافحة الفقر والتهميش والغبن"، "مجلس رئاسي لمتابعة السياسات الاجتماعية"، "محاربة الفقر والغبن والهشاشة"، "تقريب الخدمة القضائية من المواطنين"، "تفعيل مبدأ المساعدة القضائية"، "تعيين محام مجانا"، "استيفاء الحقوق أمام المحكمة"، "تقوية القضاء وتعزيز استقلاليته"، "معالجة ملفات المواطنين"، "تحقيق التعهدات في مختلف المجالات"، "مدرسة جمهورية جامعة" وتتوج كل هذا بالعبارة الذهبية الصريحة: "ترسيخ دولة القانون".
لقد تناغم خطاب الأمل في تنفيذ برنامج "تعهداتي"، الذي غدا برنامج كل الشعب الموريتاني مذ يوم قال "نعم" لابنه المترشح لرئاسته السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، تناغم هذا الخطاب مع آمال وطموحات هذا الشعب الأبي في بناء دولة يسود فيها الحق، وتمتلئ أرضها عدلا بعد ما كان مما نسأل الله أن يتجاوز عنه لتائبيه وأوَّابيه.
ونظرا لمركزية تطبيق القانون في إقامة العدل وتشييد الدولة المعاصرة، دولة القانون، فقد ساهمتُ بمقال نشره موقع (موريتانيا الآن) تحت عنوان: "أما دورك أنت فهو تطبيق القانون لإثمار دولته"، وفي خلاصته، بعد استطراد ومناقشة مختلف الأدوار السابقة ومستويات تنفيذها، أقول: «من هنا، أؤكد لك، سيادة الرئيس، أن أولى أولويات المرحلة هو تطبيق القانون سبيلا أوحد لإثمار دولة القانون التي غدت مطلبا شعبيا وحضاريا ناط بكم التاريخ إنجازه، وهو دور لا كالأدوار؛ إذ بتحقيقه يطعم الله الجائع، ويؤمن الناس من المخاوف، ويفتح على أهل القرى بركات السماء والأرض» (يمكن الرجوع إلى موقع موريتانيا الآن للاطلاع على المقال تفصيلا، وقد تم نشره في وسط شهر الاستقلال الجاري).
لا يعني هذا عندي أبدا أن خطاب فخامة رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى الـ(59) لعيد استقلالنا الوطني كان استجابة لمقال كتبتُه، بل إن أحسن ما في مقالاتي أن تكشف عن بعض جوانب برنامج "تعهداتي" في الوقت المناسب... ويسعدني كثيرا أن قاطرة تنفيذ برنامج (تعهداتي) قد انطلقت بالفعل، وأسأل الله العلي القدير أن يحميها من الانحراف عن سكتها القويمة، ويعصمها وحاميَها من كيد الكائد وتخريب المخرب أيا كان وكيفما كان.
الدكتور محمد نافع ولد المختار ولد آكَّه.
نواذيبو، بتاريخ: 28 نوفمبر 2019