لكل مرحلة تمر بها المجتمعات متطلباتها وهذه المرحلة من عمر الدولة الموريتانية تتطلب وعيا حقيقيا بعدة أمور لها أهميتها في حفظ ديمقراطية البلد ودستوره وإرساء منظومة حكم رشيد تقوم على التداول السلمي على السلطة وإنجاح عملية البناء والتنمية والإصلاح المنشود :
١ - أول هذه الأمور هو الوعي بأن المرحلة الحالية مرحلة لها ما بعدها وأنه إذا كانت موريتانيا لا تحتاج أكثر من قيادة تحب الخير وتدرك أنه يسع الجميع فإن جميع المؤشرات تؤكد أن تلك القيادة قد وجدتها موريتانيا وأن هناك إرادة للقيام بإنجازات حقيقية وتحسين الظروف المعاشية والرقي بالخدمات المختلفة والنهوض بالبلد على كافة الأصعدة وقد بدأ الشروع في التصدي لهذا العمل الضخم بفضل الله
٢ - الأمر الثاني الذي نحتاج الوعي به هو أن عملية إصلاح واقع اجتماعي واقتصادي والنهوض بوطن ليست عملية سهلة يمكن إكمالها في يوم واحد كما أن الإصلاح البطيء يؤدي لتراكم المشاكل ولذا فالمطلوب هو عمل جاد سريع متواصل يعمل على وضع أسس وبدايات للإصلاح المنشود تتمثل في:
- التسريع من وتيرة عمل مندوبية محاربة الفقر بعد أن تم تعيين إدارتها وانتشرت المعلومات عن إشراك المعارضة في تسييرها مما يجعلنا أمام مندوبة عمل وطني أسست للتحسين من وضعية الأسر الفقيرة وتم تمويلها بالقدر الكافي وكل ما بقي أمامها هو العمل من خلال توفير رواتب الأسر الأكثر فقرا والقيام بالمشاريع المطلوبة لتحسين وضعية الفقراء ..
- تخفيض الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية وهو عامل أساسي في تحسين الحالة المعاشية للناس وقد بدأ تخفيض هذه الأسعار وانخفضت أسعار اللحوم وكذلك سعر الغاز وننتظر اكتمال برنامج التخفيض بتخفيض أسعار سائر المحروقات وسائر المواد الغذائية ولا يوجد أي عائق أمام ذلك فجميع الأسعار لا ترتفع إلا بسبب ضرائب متعددة على كل مادة وكل بضاعة ومن شأن سياسة خفض الضرائب ورفعها عن المواد المختلفة أن تساهم في تخفيض الأسعار !
- تحسين واقع الصحة والنهوض بهذا القطاع أولوية ملحة وبالإضافة لمحاربة تزوير الأدوية والقضاء على الدواءالمزور وفرض رقابة على الأدوية والحد من الصيدليات ينبغي تطوير وسائل العلاج تطويرا حقيقيا من جميع النواحي فالتأكد من جودة الأجهزة مطلوب وكذلك لابد من العمل على إنجاز مستشفيات راقية متعددة تستوعب الكم البشري استيعابا كافيا ويجد فيها المريض الراحةالنفسية قبل أن يجد العلاج اللازم كما أن تحسين ظروف الأطباء ليتمكنوا من التفرغ لأداء واجبهم ضرورة لا يمكن تجاوزها ولا نسيانها
- إن توفير فرص العمل للشباب وحملة الشهادات والمتعلمين منهم من الأمور الضرورية وقد تم العمل على زيادة الطاقم التربوي كما تميزت المسابقات هذا العام بالكثرة ولم تخل من شفافية أيضا ومن اللازم زيادة المسابقات في مختلف المجالات لتوظيف أكبر قدر ممكن والعمل باستمرار على استحداث الوظائف كما أن تشجيع قطاع التجارة والمهن المختلفة وتشجيع الإستثمارات الطموحة للعاجزين عن تمويل المشاريع ضروري ويساهم بشكل كبير في نقص البطالة والقضاء على الفقر !
- إن إنجاز طريق أمل حقيقي ينسي ما مضى من الألم من أول الأولويات وبعد ذلك يكون التطوير من البنى التحتية وتحسين الطرق والعمران ليكون ذاك سبيلا لإيجاد بلد مزدهر جميل يسر الناظر ويسعد الزائر ويحترمه مواطنوه وزواره !
- إن بناء مؤسسات الدولة كلها على أسس قانونية وإدارية أهمها الفصل بين مختلف السلطات وربط الإدارة بالقانون والنظم بعد أن كانت مرتبطة بالأشخاص الحاكمين كلها أمور أساسية جوهرية تساهم في بناء دولة عصرية وإيجاد حكم رشيد يؤدي دوره انطلاقا من الأهداف العليا والنظم والقوانين ولا يتأثر بشخص الحاكم وإدارة عصرية لا يتوقف عملها ولا يتأثر بتغير شخص الرئيس ولا بتغير المسؤولين في أجهزة الإدارة !
٣ - الأمر الثالث هو أن العملية الديمقراطية قد خطت خطوات أساسية بعد أن تم احترام المأموريات وسلم الرئيس السابق السلطة طواعية لخلفه وليس مما يعزز التناوب ويرسخ العملية الديمقراطية الحديث المتكرر عن محاولة انقلاب عسكري ضد الديمقراطية بل ما حدث أقل من ذلك وهو مجرد تفكير شخص ولم يحدث أي انشقاق في صفوف الجيش بفضل الله وحتى قائد كتيبة الأمن الرئاسي تم إخباره حسب ما نشرته بعض المواقع من طرف الرئيس أنه لم تؤخذ عليه ملاحظة تتعلق بعمله وأن إقالته إجراء احترازي ونشرت الأنباء عن تحويله إلى انواذيبو وما دامت الإنقلابات قد انتهى زمنها وجاء عصر التداول وترسيخ التناوب السلمي على الحكم فإن تضخيم هذه المحاولة السياسية التي سعت للتشويش على مناخ الديمقراطية والتناوب والإنفتاح والقول بوجود انقلاب فاشل لا يصب في خدمة المسار الديمقراطي الذي ينمو بالتدرج لأن كل إجراء دستوري حققه البلد هو مكسب ينبغي ترسيخه بالتطبيق والعرف وقد جرمت موريتانيا الإنقلابات وتم تعزيز التجريم القانوني بالتداول السلمي على الحكم وينبغي أن يظل هذا التجريم محترما ومهابا وأن لا يتم يتم تسويد صفحة المسار الديمقراطي بتسجيل محاولة انقلاب لم يحدث إلا في ذهن من فكر وخطط !
٤ - إن الإنفتاح على الطيف المعارض حسنة من حسنات السيد الرئيس محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني وتؤكد على أن البلد ليس أهم ما ينقصه وطنية معارضة بل وجود سلطة جادة مستعدة لجمع الطيف السياسي وأنه إذا وجدت هذه السلطة فسيجتمع حولها الكل وسيعينها الجميع !
لقد انتهت المقاربات الأمنية التي مثلت للأسف عنوان التفكير السياسي للنظام في الفترة الماضية وجاء عهد المقاربات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية انتهت المقاربة الأمنية وانتهى معها خطاب التخوين والإتهام بالإرهاب وعدم الوطنية وجاء خطاب يجمع ولا يفرق ويبني ولا يهدم فهنيئا لكل الموريتانيين هذه الأخوة الوطنية الجامعة والتعاون بين الموالاة والمعارضة وينبغي أن يغيب خطاب الإقصاء والإتهام عن الساحة السياسية والإعلامية وأن يعيش الكتاب والمدونون والإعلاميون في جو الإحترام والمسؤولية والرأي والرأي الآخر ...
٥ - إن المطلوب في مراحل التحول هو التركيز على محاربة الفساد وليس التركيز على محاربة المفسدين وبناء الدول هو الغاية والصراع مع الأشخاص والتركيز على سيئاتهم ليس خادما للهدف الذي يحتاج مستوى من الهدوء والمصالحة ولا يعني هذا تجاهل كل عمليات السطو والنهب بل هناك عمليات لا يمكن تجاهلها لارتباطها بسير التنمية وهيبة الدولة وخاصة ما حدث أخيرا من سحب مليارات من الخزانة العامة فلا بد من رد تلك الأموال ولكن لا داعي للمبالغة في محاسبة الأشخاص فنحن لم نبن دولتنا بما فيه الكفاية ولم نؤسس بعد إدارة عصرية وقضاء نزيها حتى نشتغل بعقاب الأشخاص ومحاكمتهم والإشتغال باستغلال ماهو متوفر الآن من أموال الشعب في تنمية البلد وتحسين ظروف بنيه والعمل على بناء مؤسسات الدولة وترسيخ حكم القانون أولى من الإشتغال بسجن هذا وعقاب ذلك ومحاسبة أولئك وما وضع الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه وقد قال عمر ابن عبد العزيز لولده المتحمس للإصلاح المتعطش لإقامة العدل : إني لا أريد أن أحمل الناس على الحق جملة فيرفضوه جملة ألا يرضيك أن يحيي أبوك كل يوم سنة ويميت بدعة !
إننا بحاجة في هذه المرحلة لوعي وطني سياسي يجمع بين الطموح والواقعية ويوازن بين الصرامة والحكمة ويساند عملية الإصلاح والتغيير بالتشجيع تارة وبالنقد البناء تارة أخرى وينتظر ساعة النصر والبناء وما هي منكم ببعيد