لم تعد مسألة ظاهرة الرق مجالا للتنظير والتفكير لوضع البرامج ' وإنما أضحت قضية تطبيق ووضع الحلول بشكل واقعي وملموس وملامسة مكامن الداء ' ففي الوقت الذي تسعي فيه الأمم لتخليد اليوم العالمي لإلغاء الاسترقاق يوم الثاني من ديسمبر ' تكون بلادنا قد خطت خطوات لتنتقل من مجرد الاحتفال والتشخيص الي تقديم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ' وهو ما تم بالفعل باستحداث مندوبية مكلفة بمحاربة الغبن والإقصاء " تآزر" التابعة لمؤسسة الرئاسة ' والتي رصدت لها مبالغ مالية تقدر ب200 مليار أوقية ' هذه المندوبية التي خرجت من رحم برنامج " تعهداتي " لرئيس الإجماع الوطني فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الغزواني ' والتي سيكون لها مابعدها من خلال التغيير الجذري لظروف المواطنين الضعفاء ' ولهذا نكون جهيزة قد قطعت _ كما يقال _ قول كل خطيب ' وتكون أيضا قد نقلتنا من عالم التنظير والتفكير الي عالم التطبيق الفعلي لبرنامج الرئيس ' واذا كانت المنظومة العالمية اليوم تحتفل بالثاني من دجمبر لتخليد هذه الذكري ' فاننا نحن الموريتانيين حفدة الشناقطة نحتفي اليوم لبروز هذه المندوبية " تآزر" من حيز الوجود بالقوة _ وكما يقول أرسطو _ الي الوجود بالفعل ' أي الوجود الواقعي الذي ينطوي علي صدقية تحويل الأقوال الي الأفعال المدفوعين بتنفيذ العهد " إن العهد كان مسؤولا " ' العهد الذي بينه وربه ' ثم العهد الذي بينه ومواطنيه .
ولاشك أن اهدافها تتمثل في تقديم مشاريع إقتصادية مدرة للدخل ' كما أن هنالك مشاريع إجتماعية ' وذلك عن طريق ردم الهوة ببن الفئات الأقل دخلا والأغنياء وتقريب خدمات الدولة من تعليم وصحة لهؤلاء الفقراء ' كل هذا من أجل اجتثاث واستئصال ظاهرة الاسترقاق التي جثمت علي صدور ومحيا هؤلاء المغبونين ردحا من الزمن ' علي الرغم من السياسات الحكومية الخجولة التي عملت علي محاربة هذا الداء العضال الذي لم تسلم منه الأمم الأخرى رغم تباين ممارسي هذه الظاهرة المقيتة' التي اتخذت أشكالا شتي ومتعددة' بمعني أننا انتقلنا من العبودية القديمة المتجسدة في المعتقدات والأعراف والعادات البائدة المتمثلة في تقسيم المجتمع الي طبقات إجتماعية دنيا واخرى فوقية والتشغيل في المنازل ' إلى نوع اخر من أشكال الاسترقاق المعاصر المتمثل في الاسترقاق الوظيفي وخلق طبقات فوقية اقتصادية تكون متحكمة في مصير الآخرين ' ولا شك أن ذلك سدت منافذه ومنابعه عند ممارسة المندوبية لعملها ' ومما يوطد ذلك كون دولتنا صادقت علي القانون المجرم للاسترقاق ' إضافة الي إنشاء محاكم خاصة بقضايا الرق ' لمحاسبة ومعاقبة ممارسي الاستعباد والاستبداد علي البشر الذين كرمهم الله منذ أن خلقهم قال تعالي : ( ولقد كرمنا بني آدم) ' ومما يعزز مواصلة هذه المندوبية لعملها وتنفيذها له أن عين الرئاسة الساهرة عليها وإرادتها الجادة لن تساوم بالعبث بها أو التلاعب بالمال العام وتبديده في مسائل لا تخدم الفئات التي من أجلها وجدت ' فلابد من الصرامة والجدية وترجمة عمل المندوبية الي ما يخدم الطبقات الهشة ' فلقد ولى زمن الافلات من العقاب ' ولم يعد أيا كان بمنأى من المساءلة والمكاشفة والمقاضاة ' وكأن لسان وحال الرئيس ' يقول لنا إن صفحة قديمة طويت وأخرى متجددة فتحت لتغيير أوضاع المواطن ' خاصة من الطبقات الهشة والضعيفة ' كما أنها ستعمل دون مواربة الي تمتين الصلة بين المواطنين لتعزيز السلم الأهلي والمدني ' وخلق ثقة ببن الفئات بغض النظر عن ألوانهم وطبيعة تركيباتهم السوسيولوجية ' أو مستوياتهك ورؤاهم الأيديولوجية ' وهي عامل مساعد للطبقات الهشة لمواصلة تعليم أبنائها ' لأنها معنية بالدرجة الاولي بالجانب التعليمى ولذا تكتمل إنسانية الإنسان باطعامه من الجوع وأخيرا تأمينه من هزات الجوع والفقر المدقع الذي كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد استعاذ منه قائلا كاد الفقر أن يكون كفرا ' والقول المأثور عن عمر بن الخطاب لو كان الفقر رجلا لقتلته ' فلتواصلوا سيدي الرئيس مسيرة النماء ومواساة الضعفاء ولم شمل الموريتانيين ' انهم قدامكم ووراءكم ولو عبرتم البحر لعبروه معكم .