هناك لحظات دائما ما تكون مفصلية في تحديد مستقبل الأنظمة الدكتاتورية خاصة والأنظمة بشكل عام ومن الصعب أن يستغلها إلا صاحب خبرة طويلة في العمل السياسي يدرك بفطنته وتجربته كيف يبتكر طريقا جديدا في تلك اللحظة الحاسمة، طريقا ستسير عليه الدولة في المستقبل القريب والمتوسط والطويل،
هذه اللحظة التي نتحدث عنها هي التي نقلت جل دول أرويا الشرقية من حالتها المتردية حينما كانت ترزح تحت الأحزاب الموالية لجمهورية روسيا الإتحادية قبل أن يجد بعض السياسيين أنفسهم في مفترق طرق ليتخذوا من الاتحاد ضد تلك القوة الرجعية وسيلة لقيادة بلدانها إلى حظيرة الدول الأوربية التي تنعم بالاستقرار والرفاهية.
إن اختلاف النظرة الإيديولوجية أو السياسية لا ينبغي أن تكون وسيلة لمنع موريتانيا من الوصول إلى تلك اللحظة التي سيتغير فيها المستقبل الذي طالما حلم به الكثير من مواطني هذه الدولة الفقيرة وكذلك سياسييها الذين قضوا سنين طويلة في مكافحة الفساد و محاولة فك الارتباط المقدس بين العسكر والسلطة وهكذا بخطوة واحدة نسف هذا الحلم الذي طالما راود الموريتانيين وعلى مدى مرات عديدة وذلك حينما يكون التغيير والقطيعة مع العسكر على مرمى حجر، فقد لاح لموريتانيا أفق جديد مع الانتخابات التي ذهب الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله و السيد أحمد ولد داداه لشوطها الثاني، تلك الانتخابات التي ظن الجميع أن موريتانيا ستدخل على إثرها نمط جديد في الحكم والتسيير، إلا أن مواقف وصفت بالأنانية ووصفت بالمنطقية من قبل البعض الآخر حالت دون ذلك.
وفي الأسطر القادمة نبين السبب الذي أبقي موريتانيا رهينة في أيدي العسكر،ففي تلك الفترة كان السيد أحمد ولد داداه قريبا من أن يتوج رئيسا لموريتانيا إلا أن السيد مسعود ولد بولخير حال دون ذلك بتحالفه مع السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وبذلك أبقي الدولة في أيدي العسكر يتلاعبون بها كيفما شاءوا وهو الذي يدرك أن خصم أحمد ولد داداه ما هو إلا وسيلة للعسكر للسيطرة على الحكم من وراء الستار وبذلك وأد أحلاما كبيرة كانت ستتحقق وأطال من أمد المعاناة للكثير من أبناء هذا الشعب هذا من جهة من ناحية أخرى فإن حب موريتانيا والحفاظ عليها وعلى أمنها هو الحجة التي تبناها السيد مسعود ولد بولخير بالإضافة لموضوع آخر أفصح عنه بعد ذلك ،و لم يدرك أنه أبقى الدولة رهينة بأيدي همها الوحيد هو المكاسب الشخصية والقبلية، ليتأكد ذلك بعد فترة وجيزة حينما تمت إقالة العسكريين المتنفذين في تلك الفترة لتعود حليمة لعادته القديمة ويقدم العسكر على انقلاب أطاحوا فيه بالشخص الذي جاءوا به حينما لم يسايرهم في الإملاءات التي يصدرون ليقف الكل ضد هذا الانقلاب باعتباره تكريسا لواقع خلنا أننا تجاوزناه وتوشك الدولة الموريتانية أن تدخل منعرج جديد إذ تم حشر الانقلابيين في زاوية ضيقة وفرض عليهم اتفاق سرعان ما نكثوه وبدؤوا التسيير الأحادي للدولة ، لتأتي مرحلة الثورات العربية وتبدأ عجلتها تدور في موريتانيا الا أن السيد مسعود ولد بولخير عاد مجددا إلى حضن العسكر ليخلص النظام الحاكم من خناق ضيقته المعارضة عليه وبات التغيير وشيكا ليدخل معهم في حوار أثمر حسب وصفه عن نقاط مهمة سرعان ما اتضح أنها مجرد وسيلة استغلها النظام للخروج من عنق الزجاجة التي كان محشورا فيه وليثبت هو نفسه أن هذا الاتفاق لم يجدي نفعا وهو الذي روج له باعتباره سيخرج موريتانيا وسيعيد لها وحدتها وتماسكها ، أثبت ذلك من خلال مبادرته التي اعتبرها لإنقاذ موريتانيا من الفوضى التي تسعى لها المعرضة قبل أن تلاقى هذه الأخير نفس مصير الاتفاق الذي قبلها.
وقبل فترة وجيزة ظنت المعارض والشعب الموريتاني كذلك أنهم سيدخلون منعطفا جديدا من خلال الرصاصات الصديقة التي أقعدت رأس النظام في باريس للعلاج إذا بالسيد مسعود يعود لعادته القديمة ويفشل هذا المسعى بتصريحاته الأخيرة حول مكالمته لرأس النظام وهو يطبق عن وعي أو بدونه سياسة العسكر الذين يريدون إطالة حكمهم ما استطاعوا لذلك سبيلا وبذلك يكون السيد مسعود من وجهة نظر البعض المخلص الوحيد الذي يلجأ إليه العسكر كلما وضعوا في زاوية ضيقة ويرى البعض الآخر أن ذلك ليس إلا انطلاقا من وازعه الوطني كما يقول هو نفسه، والواضح من هذا كله أن الشعب الموريتاني يبقى رهينة في أيدي العسكريين وثلة من أصحاب المصالح الضيقة متمثلة في الحزب الحاكم وبعض رجال الأعمال الجشعين.