يعد مشكل البطالة من أكبر المشاكل المطروحة للشباب الموريتاني إذ تظهر النسب ارتفاعا مذهلا في أعداد العاطلين عن العمل، رغم أن أغلب المهتمين بالمجال يرون أن النسب الرسمية لا تعكس الحقيقة وحتى المعدلات الكبيرة التي تظهرها تقارير المنظمات الدولية هي الأخرى لا تعبر عن حجم واستفحال البطالة، إذ تقول معطيات الواقع إن أغلب الشباب الموريتاني يعاني من داء البطالة.
وسنحاول في هذا المقال تقديم عرض عن تطور النسبة وأسباب الارتفاع المذهل لمعدلات البطالة، وكذا تقييم للسياسات الحكومية المتبعة في المجال، بالإضافة لتوصيات من شأنها التخفيف من تداعيات المشكل.
تطور النسبة
بحسب الإحصائيات الرسمية فإن نسبة البطالة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ظلت تتراوح بين 21 و23% من مجموع السكان، قبل أن تشهد انخفاضا قليلا مع بداية الألفية الثالثة، حيث وصلت عام 2004 إلى 20% من مجموع السكان، غير أن معدلات البطالة شهدت قفزة كبيرة إذ وصلت 31% في العام 2008 وفقا لنتائج المسح الدائم حول ظروف معيشة الأسر الذي أعدته الحكومة آنذاك، وواصل مؤشر البطالة ارتفاعه إلى حدود 32% في العام 2010 و33% في العام 2011 وفقا لتقارير منظمة العمل الدولية.
وفي شهر مارس من العام 2014 أعلن وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية أن موريتانيا تمكنت من تقليص نسبة البطالة من 31% في العام 2008 إلى 10% في العام 2013.
وبحسب تقرير منظمة العمل العربية لعام 2012 فإن موريتانيا من بين 3 دول عربية تعاني من ارتفاع كبير في معدل البطالة وهذه الدول هي جيبوتي والصومال بالإضافة إلى موريتانيا، إذ تصل نسبة البطالة بهذه الدول 33%.
وبحسب آخر تقرير للمكتب الوطني للإحصاء حول وضعية التشغيل والقطاع غير المصنف صدر عام 2017 فإن نسبة البطالة تصل 11.6%، ويرجع الفرق بين النسب الرسمية وتقارير المنظمات الدولية إلى طبيعة المقاربات المتبعة في المسوح إذ أن بعض المسوح تعتبر من يعمل لساعة واحدة خلال اليوم أو من يعمل ليوم واحد من الأسبوع بأجر منتظم غير عاطل عن العمل.
أما آخر تقرير لمنظمة العمل الدولية صادر نهاية العام 2018 فيبين أن نسبة البطالة في موريتانيا تصل 31%.
وتشير بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن نسبة البطالة تتجاوز 30%، كما توضح تلك الدراسات أن 85% من القوى العاملة يعملون في وظائف غير منتظمة مما يعني الحرمان من الضمان الاجتماعي والصحي وغير ذلك من الحقوق التي تكفلها قوانين الشغل المحلية والدولية، إذ يُشغل القطاع الحكومي في موريتانيا 3% فقط من مجموع العاملين.
أساب المشكل
يمكن تلخيص أسباب وجذور أزمة البطالة في موريتانيا من خلال النقاط التالية:
- الهجرة نحو المدن، إذ تعتبر الهجرة الكبيرة التي نظمها سكان الأرياف نحو المدن في فترة الجفاف الذي ضرب البلد خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، من أهم أسباب البطالة، إذ كان معظم النازحين يعتمدون في مصدر عيشهم على نشاط التنمية الحيوانية التي عصف بها الجفاف، ولم تكن لديهم مؤهلات للتشغيل.
- غياب السياسات التشغيلية الفعالة وعدم وضوح الرؤية الحكومية في مجال التشغيل الأمر الذي فاقم من المشكل خلال السنوات الأخيرة.
- فوضوية القطاع الخاص وعدم عصرنته.
- ضعف الاستثمار الأجنبي المباشر القادر على خلق فرص عمل جديدة.
- غياب توجيه الاستثمارات حيث من الملاحظ أن المستثمرين الخواص المحليين والأجانب لا يرغبون في الاستثمار في القطاعات القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من العمال كالقطاع الزراعي وقطاع الصناعات التحويلية، ويرجع ذلك لغياب توجيه الاستثمارات من طرف القائمين على الشأن الاقتصادي في البلد.
- عدم ملاءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل الناجم عن تدني مستوى التعليم العالي والمنظومة التربوية بشكل عام.
- العقلية الاجتماعية المتخلفة إذ يعد انتشار عقلية الترفع عن بعض الأعمال المهنية وترك ممارستها للأجانب من عوامل انتشار البطالة في صفوف الشباب.
- انتشار ثقافة الإتكالية والاعتماد على الغير السائدة في المجتمع الموريتاني مما يجعل الشباب يركن إلى الراحة والاستسلام في ظل وجود من يعتمد عليهم في توفير حاجياته الأساسية.
استراتيجيات دون مستوى الحل
قامت السلطات العمومية خلال العقود الأخيرة بعدة استراتيجيات لمحاربة البطالة ومن أهمها:
- صندوق الدمج وإعادة الدمج في الحياة النشطة في الثمانينات من القرن الماضي والذي تظهر البيانات الحكومية أنه قام بصرف مئات الملايين في تمويل المشاريع التنموية.
- سياسة الغداء مقابل العمل التي نفذتها مفوضية الأمن الغذائي.
- سياسات القروض المصغرة لإنشاء المؤسسات التي قامت بها مفوضية حقوق الإنسان ومكافحة الفقر والدمج.
- إنشاء مراكز تكوين مهنية في جميع الولايات.
- إنشاء مراكز تكوين لخريجي المحاظر.
- إنشاء المعهد الوطني لترقية التكوين المهني والتقني بهدف وضع سياسات وبرامج التكوين المهني ودعم المؤسسات التعليمية.
- إنشاء الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب مع بداية العام 2005 والتي لا زالت تسند لها أغلب برامج التشغيل ويقول القائمون عليها إن وكالتهم مولت مئات المشاريع في مجال التشغيل، وتتمثل أهداف هذه الوكالة في تصور وتنفيذ الأعمال والبرامج الرامية إلى ضمان ترقية التشغيل، واستقبال وتوجيه طالبي العمل.
أما محاور عملها فتشمل سبعة محاور رئيسية وهي تشغيل وتوجيه طالبي العمل، بالإضافة للتشغيل الذاتي الذي يهدف إلى تمويل أصحاب المبادرات الصغيرة، وكذا مرصد سوق العمل الذي يقوم بوضع وتنفيذ سياسة معلوماتية لسوق العمل، كما تشمل محاور الوكالة كذلك الشراكة مع الهيئات المعنية بالتشغيل وكذا الدعم الهيكلي للهيئات المعنية ببرامج دعم القدرات والبحث العلمي في مجال التشغيل، وأخيرا محور الدراسات المتعلقة بسوق العمل من حيث الطلب والعرض.
ومن الملاحظ أن محاور عمل الوكالة رغم أهميتها وشموليتها إلا أن الأداء لا زال ضعيفا والنتائج الملموسة لا تتلاءم مع ما يصرف على برامج الوكالة، كما أن بعض المحاور لم يتم العمل عليها حتى الآن خاصة الجوانب المتعلقة بالدعم الهيكلي والدراسات والشراكة رغم مرور عقد ونصف على إنشاء الوكالة.
وبتتبع تطور معدل البطالة يمكن القول إن السياسات الحكومية بشكل عام عجزت عن وضع حد لتفاقم الظاهرة حيث ظلت الأرقام في تزايد مستمر حتى باتت تشكل وضعا خطيرا معرضا للانفجار في أي وقت.
ويرى المهتمون بمشكل البطالة في موريتانيا أن السياسات المتبعة من طرف الحكومة في مجال البطالة افتقدت بشكل دائم للتقييم من حيث النتائج والفاعلية، كما أن الفساد والمحسوبية كانا أكبر عائق في وجه نجاح تلك السياسات والبرامج في الحد من تداعيات المشكل العويص، إذ تغيب الشفافية في الغالب خلال تنفيذ تلك السياسات.
توصيات لحل المشكل
بهدف الحد من تفاقم مشكل البطالة وبالرجوع لأغلب الدراسات المقدمة في هذا المجال يمكن تقديم المقترحات التالية والتي من شأنها أن تخفف من الآثار المترتبة على المشكل:
أولا: دمج جميع برامج التشغيل في هيئة واحدة تسند لها مسؤولية:
- وضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة في مجال التشغيل والعمل على فرض الشفافية في الاكتتابات على مستوى القطاعين العام والخاص من خلال القيام بدور الوساطة بين عرض وطلب العمل، وذلك بالتنسيق مع الجهاز المعني بتنظيم المسابقات (لجنة المسابقات) مع إعادة هيكلة هذه الأخيرة بما يضمن الشفافية.
- إجراء مسح شامل لمستوى البطالة يمكن الاعتماد عليه في وضع السياسات الاقتصادية للبلد، ويفضي إلى تشكيل قاعدة بيانات محينة لأعداد العاطلين ومجالات اختصاصهم.
ثانيا: العمل على ترقية وتطوير القطاع الخاص وكذا دمج القطاع الغير مصنف في القطاع المصنف.
ثالثا: تشجيع القروض الصغيرة والسعي إلى قيام القطاع المصرفي بدوره في خلق التنمية عبر تطوير آليات القروض الصغيرة واعتماد دراسات الجدوائية كمعايير للحصول على التمويلات مع مراعاة ظروف طالبي العمل من حيث عدم القدرة على توفير الضمانات، بالإضافة لمراقبة التسيير من أجل فرض سداد القروض حتى يتم تمويل مشاريع أخرى.
رابعا: تحفيز الاستثمار من خلال سن قوانين جاذبة للمستثمرين، وخفض معدل الفائدة، ومراجعة النظام الضريبي، ومحاربة الرشوة والفساد، وكذا تحسين استقلالية قطاع العدالة.
خامسا: توجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية نحو القطاعات الأكثر قدرة على استقطاب العمال كالقطاع الزراعي وقطاع الصناعات التحويلية وقطاع الصيد حيث يمكن لهذه القطاعات استقطاب آلاف العاطلين عن العمل إذا تم توجيه استثمارات كبيرة نحوها.
سادسا: تنظيم ملتقيات توجيهية حول إصلاح التعليم ومراجعة وتقييم السياسات التي شهدها قطاع التعليم، وذلك بغية بلورة إصلاح شامل قادر على جعل المنظومة التربوية تتلاءم مع متطلبات سوق العمل وتحسين مخرجات التعليم.
..............................
[1]_ مقال ضمن حملة #كفانا_بطالة للتحسيس حول البطالة في موريتانيا، كريم الدين ولد محمد [email protected]