كثيرون هم محرفو الكلم عن مواضعه ومواضيعه، ولا يقل عنهم عدد تاركي الكلام في مواضيه مع تفكيكه وتجزئته وإعادة تركيبه على مقاس ما يخدم أجنداتهم وتوجهاتهم، وسواء قصد معالي الوزير الأول السيد اسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا ما قاله لصحيفة " لوموند " بالأمس أم لم يقصده ونُقل عنه توضيح له لاحقا، فإننا لا نوجه هذا الكلام له بالضرورة، لأننا لسنا محرفي ولا مجزئي كلام وقد تركنا تصريحه هذا في مواضيعه وسياقه، وإنما نوجهه لمن أرادوا، بتفكيك كلامه، عن عدم اهتمامه بالعشرية الماضية القول " ها قد شهد شاهد من أهلها "، وقد كان بإمكاننا الإختصار والإكتفاء برد معالي الوزير الأول على سؤال لأحد النواب يوم عودته لغرفتهم لنقاش برنامج حكومته، حيث سأله هذا النائب عن الوضعية التي وجودوا البلد عليها وهل تلك الوضعية، التي يحاول النائب تشويهها، تساعدهم؟ فرد الوزير الأول بالقول ( وجدنا أمامنا الكثير مما هو جيد وسنبني عليه ونطوره )، وهو نفس ما ورد في توضيحه لتصريحه لصحيفه " لموند "، لكننا لن نكتفي بذلك وسنفصل و نقدم بعض النماذج التي لا يستطيع معها الوزير الأول ولا غيره " إزدراء " العشرية الأخيرة.
يجلس السيد الوزير في مكتبه في المبنى الفخم الذي يحتضن مبنى الحكومة، والذي شيدته عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز بدل ذلك المبنى المهترئ ذي الأبواب الحديدية التي حلت فيها السلاسل محل الأقفال كسجون عتاة المجرمين، وليس وحده فقد شُيد غيره، ضمن سياسة تحديث المرافق العمومية، الكثير من مباني الوزارات والقيادات العسكرية ومفوضيات الشرطة ومباني الولايات ومساكن الولاة والحكام.. بعد أن كانت كل هذه المرافق في خرب متصدعة الجدران تتدلى خيوط العنكوبوت من سقوفها على رؤوس موظفيها، وحيث ستنتقل بقية الوزارات أو معظمها قريبا للبرج الإداري الشامخ بمنطقة صكوك.
يقلع معالي الوزير الأول من مطار نواكشوط ـ أم التونسي الدولي الذي أنشأته عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وقال هو نفسه ذات نقاش إنه مطار عصري بطريقة تمويل مبتكرة.. ليحل محل محطة النقل البري تلك التي ظلت تتوسط العاصمة مُقطعة أوصالها، وكانت مثار تندر وسخرية الزوار، وقد اخترقت مساحته اليوم عشرات المحاور الطرقية طولا وعرضا رابطة بين مختلف مقاطعات العاصمة بكل سهولة ويسر، حتى الراجلين أصبحوا يتنقلون بين هذه المقاطعات سيرا على الأقدام..
ويقلع معاليه من هذا المطار على متن طائرة تابعة لشركة الموريتانية للطيران التي أنشأتها عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتُشغل اليوم ست طائرات حديثة، وتغطى ما يزيد على 12 وجهة إقليمية، ويتطور أسطولها وتزداد وجهاتها وينمو رقم أعمالها، وذلك بعد تحطم " نصف الأسطول الجوي الموريتاني " كما علقت بذلك صحيفة دولية على تحطم طائرة ال ( فوكير 28 ) في تجكجه سنة 1994، لتبقى من ذلك " الأسطول " أختها الوحيدة وتخرج من الخدمة بعد ذلك بسنتين فتُسجل شركة الخطوط الجوية الموريتانية إفلاسها الأول، وما أعقب ذلك من محاولات الحفاظ على إسم الشركة بتأجير طائرتين من رجل أعمال أوروبي ظلت الشركة تماطله في دفع أقساط تأجيرهما والتهرب من القيام بصيانتهما إلى أن احتجزهما في أحد المطارات الأوروبية، لتعلن الشركة إفلاسها الثاني، ثم شعور الخطوط التونسية بالفراغ في النقل الجوي إقليميا وتُنشي شركة طيران مع شريك خصوصي وطني ما إن شعرت بقرب انطلاق الناقل الجوي العمومي الموريتاني، شركة الموريتانية للطيران حتى أدعت الإفلاس وهربت بحقوق عمالها!
يطل معالي الوزير الأول صباحا من نافذة الطائرة وهو فوق مدينة نواكشوط وهو في طريقة لمدينة النعمة، فلا يري مناظر أحياء البؤس التي كانت تطوق العاصمة من كل الجهات بعمر عشرات السنين، وقد كانت أولى خطوات وبرامج عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز هي تخطيط تلك الأحياء وتمليك قاطنيها وتزويدهم بالخدمات الأساسية، وكانت المراحل الأولى من ذلك البرنامج على يد معالي الوزير الأول كوزير للإسكان والعمران والإستصلاح الترابي. ويطل من نافذة الطائرة وهي تهم بالهبوط في مطار نواكشوط مساء في طريق عودته لتترآي له أنوار العاصمة المتوهجة والمتلألئة في كل الاتجاهات، وذلك بعد تضاعف قدرة البلاد من الطاقة خلال هذه العشرية 10 مرات ( من 65 ميغاوات سنة 2009 إلى 630 ميغوات اليوم )، وبعد أن كانت العاصمة، ودعك من مدن داخل البلاد، تترآى للناظر لها من الجو ليلا كقرية في حفرة معتمة بين الرمال في صحراء! ولن يولي وجهه لأي من جهات الوطن إلا ورأى شبكات الربط الكهربائي بمختلف مستويات القدرة، الجهد العالي شمالا باتجاه مناطق الإنتاج المعدني في آكجوجت وأطار وازويرات، وغربا باتجاه مناطق الصيد بنواذيبو، والجهد المتوسط باتجاه مناطق الإنتاج الزراعي بالصفة، مثلما رآها بالأمس تُشبك مناطق الإنتاج الحيواني في الحوضين ولعصابه.
يحط معالي الوزير الأول بمطار مدينة النعمة الذي ظل خربة مهجورة منذ إنشائه بداية هذه الألفية دون تشغليه، إلى أن تمت توسعته وترميمه وتجهيزه بأجهزة الملاحة والسلامة الجوية سنة 2018 ليكون صالحا لاستقبال الرحلات والمسافرين، وتم تدشينه على هامش احتفالات الذكرى ال 58 بمدينة النعمة مع حزمة من المنشآت الأخرى الصحية والتربوية.
والهدف من رحلة معالي الوزير الأول على متن هذه الطائرة، وإقلاعه من مطار أم التونسي وهبوطه في مطار النعمه، هو افتتاح خط جوي لربط هذه المدينة بنواكشوط جوا بعد أن جعلت عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز ذلك متاحا، أولا عندما أصبح لموريتانيا شركة للطيران وبمختلف الأحجام هي من تمتلكها وتستطيع من خلالها تسيير الرحلات الداخلية ذات الطابع الإجتماعي حيث لن تقبل شركة خصوصية ذلك، وثانيا عندما تم توسيع وترميم وتجهيز مطار مدينة النعمة ليكون صالحا لاستقبال الرحلات..
ووصل معالي الوزير مدينة النعمة واستقبلته ساكنتها ولم تطرح عليه مشكلة العطش، لأن مياه بحيرة أظهر تدحرجت خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى هذه المدينة وهي الآن تُسقى للحمير هناك، وتتوزع وتتفرع كالأوردة والشرايين بمئات الكيلومترات في باقي مقطعات الولاية وجوارها، في انبيكت لحواش، وتنبدغه، وآمرج، وعدل بكرو، وجكني، وبنكو، وحاسي أتيله، ولعيون ومئات القرى والمناطق الرعوية في هذه الربوع، وذلك بعد خمسة عقود من العطش، وليس العطش فقد، بل وأيضا إنعدام الأمل والإرادة في التفكير في الحل..!
تجول معالي الوزير الأول ب " اهتمام " في العديد من المنشآت في هذه المدينة، مدرسة من طابقين أصبح نمطها المعماري الحديث والمميز هو المعتمد لبناء المؤسسات التربوية خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتنتشر العشرات من مثيلاتها اليوم في مختلف مناطق الوطن، والعشرات الأخرى منها في مراحل التشييد الأخيرة في مناطق أخرى بدل تلك " المؤسسات التربوية " المُغطاة بالزنك والمُشيدة بخليط من الإسمنت والطين بنسبة 1 من الأول إلى 10 من الثاني..! ومركز استطباب حديث بسعة 150 سريرا بكامل تجهيزاته، ومصنعا للألبان ينمو ويتطور رغم عدم ملاءمة البئة والعقليات لهذا النوع من الإستثمارات الذي يتطلب مجتمعات منظمة ومستقرة.
وسينتقل معالي الوزير الأول بعد أيام إلى ولاية لبراكنه للإشراف ب " اهتمام " على انطلاق أشغال إعادة تأهيل طريق بوتلميت ـ ألاك الذي بدأ الإعداد له وتعبئة تمويله سنة 2017، ووقعت اتفاقية تمويله سنة 2018، ولن يستغل معالي الوزير الأول الطائرة هذه المرة وإنما يسلك طريق نواكشوط ـ بوتلميت الذي تمت إعادة تأهيله هو الآخر خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبمواصفات فنية جديدة، وليس وحده الذي تمت إعادة تأهيله أو إنشائه من جديد، فهناك عشرات المحاور الطرقية الأخرى الرابطة بين مدن وقرى ومناطق إنتاج ظلت معزولة قبل هذه العشرية.
ولا شك أن معالي الوزير يتابع ب " هتمام " مراحل مشروع طريق الشمال ـ جنوب الذي سيربط مدينة ازويرات في أقصى الشمال بمدينة غابو في أقصى الجنوب، والذي سينطلق من تجكجه إلى غابو، وذلك مرورا بمدن أطار وتجكجه والقدية وبومديد وكيفه وكنكوصه ولعبلي وسيليبابي ثم غابو، علما أن عدة محاور من هذا الطريق الحيوي تم تشييدها خلال هذه العشرية ك ( أزويرات ـ أطار )، ( أطار ـ تجكجه )، ( كيفه ـ بومديد )، ( كيفه ـ كنكوصه ). هذا المشروع الذي طرحته موريتانيا على الممولين خلال " مؤتمر تنسيق الشركاء والمانحين لتمويل برنامج الإستثمارات ذات الأولوية في مجموعة الخمس بالساحل " المنعقد هنا في نواكشوط بتاريخ 6 ـ 12 ـ 2018، وحظي هذا المشروع بتمويل الصندوق العربي للإنماء الإجتماعي والإقتصادي، وُوقعت أتفاقية تمويل مقاطعه الأربع المتبقية ( تجكجه ـ القدية )، ( كنكوصه ـ لعبلي )، ( لعبلي ـ سيليبابي )، ( سيليبابي ـ غابو ) هنا في نواكشوط شهر أكتوبر الماضي من طرف وزير الإقتصاد والصناعة والمستشار القانوني للمدير العام لهذا الصندوق بقيمة 60 مليار أوقية قديمة.
وربما ينتقل معالي الوزير الأول أو رئيس الجمهورية خلال الأيام القادمة للإشراف على وضع الحجر الأساس لميناء " فرنانه " التقليدي على بعد 28 كيلومتر جنوب نواكشوط الذي تم الإعداد له خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتم توقيع اتفاقية تمويله من طرف السفير الصيني في نواكشوط ووزير الإقتصاد والمالية السابق المختار ولد أجاي، وذلك بعد توسعة مينائي الصيد في نواذيبو وميناء الصداقة في نواكشوط، وانتهاء ميناء " تانيت " خلال هذه العشرية، وبداية تشغيل ميناء انجاكو متعدد الأستخدامات منتصف العام المقبل، وتوجد الآن على مكتب معالي الوزير الأول ملفات ميناء الأعماق في نواذيبو ومطارها الدولي ومراحل تنفيذهما المتقدمة والتي لا شك أنه مطلع و " مهتم " بهما كرئيس سابق لمنطقة نواذيبو الحرة المعنية بهذين المشروعين، وهي المنطقة الحرة التي كان هو من أشرف على إنشائها ب" اهتمام "..
ومكتسبات عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز في المجال الصحي هي التي جعلت وزير الصحة في حكومة الوزير الأول يجلس في قناة الموريتانية الليلة قبل البارحة، ولا تكون أولوياته التي يتحدث عنها إقامة بنى تحتية صحية جديدة، ولا اقتناء أجهزة طبية إضافية، ولا إنشاء كلية طب أو مدارس صحية، ولا إنشاء مختبر لمراقبة جودة الأدوية أو تحديد منافذ وحيدة لإدخالها، ولا مصادرة الأدوية المعروضة في الشوراع، ولا سن قوانين جديدة لتنظيم القطاع.. فتلك المكتسبات هي التي جعلته أيضا يقول للطواقم الصحية في مدينة ألاك قبل أسبوع، إنه ليس من أولوياتنا في الوقت الحالي إضافة جديد لما هو قائم لأنه يكفينا إذا ما نجحنا في تنظيمه وتفعيله.. ولولا مكتسبات هذه العشرية في المجال الصحي لكانت أولويات وزيرها اليوم أولويات أخرى كالتي كانت مطروحة قبل عشر سنوات عندما كان لا شيء يسمى صحة! ومثله سائر الوزراء في كافة القطاعات الذين ينطلقون اليوم في برامجهم من البناء على، والإستعانة بما وجدوه أمامهم في قطاعتهم من أساس ومقومات.
ومكتسبات وأرصدة ومدخرات عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز في المجال الإقتصادي والمالي هي التي مكنت من التدخل في مدينة سيليبابي شهر أغسطس الماضي ثلاثة أيام بعد تشكيل حكومة الوزير الأول دون أوقية واحدة أجنبية، ودون إطلاق صيحات الاستغاثة للمانحين والمتصدقين، وهي التي مكنت بالأمس من إعداد وإطلاق برنامج عصرنة المدينة بإشراف من رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بعدة مليارات من خزينة الدولة، وهي التي تشيد منها الآن العمارات الإدارية ومقرات المجلس الدستوري والبرلمان بالمليارات أيضا، وهي التي تُفتح منها الإعتمادات اليوم لآلاف عقدويي التعليم وتُرفع منها العلاوات، وهي التي قدم وزير المالية ومحافظ البنك المركزي الموريتاني قبل ذلك عرضا عن وضعيتها كأحسن وضعية اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد.
فكيف " يزدري " أو لا يهتم الوزير الأول بمكتسبات ورصيد هذه العشرية، ثم كيف يعبر رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أكثر من مرة عن اعتزازه واهتمامه بمكتسباتها ف" يزدريها " وزيره الأول أو يقلل من شأنها! فككوا أيضا كلام رئيس الجمهورية الأخير لصحيفة " لومنود " وقالوا إنه تجاهل ذكر تلك العشرية، فهل يريدون أن يظل ذكرها وذكر مكتسباتها لازمة ثابتة في كل حديث للرئيس أو وزيره الأول وعلى " أمباله " أيضا؟!
عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز معينة على الحديث عنها لأنها تتحدث عن نفسها، ومكتسباتها قائمة بذاتها، حتى الزوار الأجانب ممن عرفوا بلدنا في مراحل سابقة يقولون لنا بلدكم يتطور.. وعليه فلن نمل الحديث عن هذه العشرية حتى يملوا التنقيص منها، ولأنهم ولم يقنعوا بتقييمهم لها غير أنفسهم ورهطهم أصبحوا يلجأون للإستعانة بتأويل كلام أهلها عنها، وأول أهلها رئيس الجمهورية ووزيره الأول وكافة وزرائه الذين ليس من بينهم معارض واحد، وليس في المنظور أن يكون!!