عاش الموريتانيون خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، سيلا من الشائعات و الأراجيف. ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، تطور الأمر إلى حملة ممنهجة يصعب حتى الآن تحديد الأطراف التي تقف خلفها، وإن كانت كل المؤشرات تؤكد ضلوع بعض أطراف "المعارضة" في هذا الأمر، فبركة ونشرا، واستغلالا في الأنشطة السياسية اللاحقة.
لم يسبق لموريتانيا أن حظيت بهذا المستوى من الشفافية والانفتاح في تاريخ الأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم منذ ما يزيد على خمسة عقود، سواء تعلق بصحة الرئيس أو بمختلف مناحي الحياة العامة (تصريح وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان في الساعات الأولى للحادث، حديث الرئيس نفسه حول إصابته، ...).
الأمر غير المبرر في هذه الحملة هو "استغلال" مروجي الشائعات للإعلام بشكل أصبحت معه معظم الصحافة المستقلة متواطئة ومشاركة –عن قصد أو عن غير قصد- في جريمة أقل ما يمكن توصف به "تهديد الأمن والسكينة العموميين"، ولم يستطع أكثر المتحمسين لحرية الإعلام أن يستسيغ لجوء بعض المؤسسات الصحفية الكبيرة إلى "مصادر عليمة، مطلعة، رسمية، مأذونة، متطابقة، مقربة، أو حتى عائلية فضلت جميعها عدم الكشف عن هويتها"، ونسبة أخبار مصيرية بالنسبة لموريتانيا إلى مصادر كهذه، دون التقيد بأبسط قواعد العمل المهني!..
وتحول بعض الإعلام الموريتاني بين عشية وضحاها إلى أبواق تخدم أجندات بالغة الخطورة، ليس على النظام السياسي فقط، بل على وجود موريتانيا كدولة، ودون أن يتجشم القائمون على هذه المؤسسات عناء تبرئة أنفسهم من المسؤولية، وتوفير الحد الأدنى من المعلومات الموثوقة للقارئ والمستمع والمشاهد، وفق الضوابط المهنية المتعارف عليها، وخسرنا الحقيقة، لذا علينا الانتباه حتى لا نخسر الوطن.
لقد فقد البعض "البوصلة"، بل فقد ذاكرته وعقله بشكل شبه كامل، فمن التحدث عن "انقلاب عسكري" و"موت سريري" و"عجز دائم" و"فراغ دستوري"، إلى "تفويض الرئيس بعض صلاحياته للوزير الأول" و"صراع بين كبار المسؤولين، خصوصا مدير ديوان رئيس الجمهورية، والسفير الموريتاني بباريس، وبعض الوزراء مع الوزير الأول"، و"اتهام بعض أوساط الأغلبية بترويج الشائعات"، ....
وإحقاقا للحق أود توضيح النقاط التالية، مع تحملي كامل المسؤولية أمام الله والتاريخ والشعب الموريتاني:
- لم يؤثر وجود رئيس الجمهورية خارج البلاد طلية ثلاثة أسابيع على السير المنتظم للمؤسسات العمومية، وظل الوضع الأمني طبيعي بشكل كامل.
- أثبتت القوات المسلحة وقوات الأمن، تشبثها بالمصلحة العليا للبلد، وأكدت لمن كان لديه أدنى شك، حرص قادتها ومنتسبيها على القيم الجمهورية، وكانت الكارثة أن بعض التشكيلات السياسية (أحزاب ديمقراطية!) شجعت تلميحا وتصريحا، وأحيانا "إلحاحا"، على القيام بتغيير غير دستوري، ورغم كل ذلك ظلت المؤسسة العسكرية والأمنية تؤدي دورها بحرفية وانضباط.
- حسب علمي، لا وجود لصراعات شخصية - على الأقل في الوقت الراهن- بين كبار المسؤولين، سواء تعلق الأمر بالوزير الأول وأعضاء حكومته، أو قادة المؤسسات الأمنية والعسكرية أو مدير ديوان الرئيس أو السفير الموريتاني في باريس أو غيرهم، فالصلاحيات محددة بالقانون، ولا يمكن أن يتصور عاقل قيام أي شخص باستغلال غياب الرئيس لتصفية الحسابات الشخصية، فهذا الأمر سيودى بمن قام به لا محالة؛
- للأمانة لم يقم أي من مقربي الوزير الأول بنشر شائعات عن نقل بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، كما لم يشارك أي من المحسوبين عليه في هذه الحملة، بل العكس تماما، حيث لاحظ الجميع استماتة وسطه السياسي والاجتماعي في التصدي للشائعات؛
- لا مصلحة لكبار المسؤولين سواء عسكريين أو أمنيين أو مدنيين في نشر الإشاعات، فالمثل الموريتاني يقول : "أهل اتويميرت متعارفين" ومن المعروف أن طبيعة المجتمع لا تسمح لأي كان بإخفاء أفعاله، خاصة في ظل وجود نخبة لا يتجاوز أفرادها المئات، وخلاصة القول في مروجي هذه الشائعات حديث الرسول الكريم "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"؛
- تسود مختلف مؤسسات الدولة ، مدنية كانت أو عسكرية أو أمنية، حالة من الانسجام والتناغم والتنسيق، تمنع الجميع من السقوط في متاهات التآمر وإطلاق الشائعات، لذلك أقول جازما، أن كل ما نسمعه ونقرؤه يوميا يصدر من بعض من مردوا على "النفاق السياسي"، وقد أعمتهم مواقفهم عن إبصار الحقائق وطفقوا يمكرون، ويرجفون في المدينة، ل"يخرجوا منها أهلها"، قال تعالى : " لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا " صدق الله العظيم (الأحزاب - الآية 60).
حفظ الله موريتانيا.