نافذة على معايير الجودة من قطار "تعهداتي" / د.محمد نافع ولد المختار ولد آكه

تكرر لفظ (الجَوْدَة) ضمن برنامج (تعهداتي) لرئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أكثر من عشرين (20) مرة استولى قطاع الصحة وحده على 50% منها، وقد وردت أول عبارة تتضمن هذا اللفظ في الجملة الأولى من متن البرنامج: «من المعلوم أن تطور المجتمعات يعتمد من بين أمور أخرى على المكانة والدور الذي تضطلع به المؤسسات ذات الجودة، باعتبارها الضامنة الأولى لسيادة الاستقرار ونشر العدل» (الباب الأول، ص 7).

وهكذا كان تردد عبارة الجودة، شعارِ التكنولوجيا والاقتصاد في عالم اليوم، كان هذا التردد بنسبة (مَرَّة/لكل صفحتين) من البرنامج الذي نُثِرَ على مدى خمسين (50) صفحة بتمام ألفاظه وكمال مقاصده.

بعد هذا الإلماح، أود أن أطل من نافذة قطار (تعهداتي) على "معايير الجودة"؛ نظرا لأهميتها للمؤسسات، خاصة وأن "المؤسسات" هي المستهدفة بالخطاب في ذات البرنامج، وسأتناول ضمن إطلالتي هذه أهم معيار تستخدمه المؤسسات الجيدة المعاصرة: ألا وهو «معيار الأيزو 9001 ط 2015/ أنظمة إدارة الجودة -إلزاميات» (Systèmes de management de la qualité-Exigences/ Quality management systems-Requirments) المُفَعَّل عالميا في الوقت الحاضر، وسيكون تناولي له من خلال تعريف الجودة لغة واصطلاحا، ثم عرض مواده/ بنوده (Articles/ Clauses) - العشر  بطريقة أجتهد على أن تكون مبسطة ومختصرة، وذلك رغم أني لا أمتلك مرجعا له بلغة امرئ القيس –مع الأسف- وإنما المتاح لي هي مراجع باللغتين الفرنسية والإنجليزية فقط.

أولا-تعريف الجودة:

الجودة مصدر من الفعل (جاد) أصله (جَوَدَ) بمعنى حَسُنَ. (المعجم الوسيط): «جاد يجود جَوْدَة: صار جيدا. يقال: جاد المتاع، وجاد العمل، فهو جَيِّد». ومنه «أجاد: أتى بالجيِّد من قول أو عمل». ثم يعرف الجودة فيقول: «الجَوْدَة: جودة الفهم، [وهي] في اصطلاح أهل النظر: صحة الانتقال من الملزومات إلى اللوازم». هنا أستسمح في التعلق بهذا الاصطلاح المؤصل له لأقول إن جودة المؤسسات هي قدرتها، على تحويل (نقل) ملزومات -أو إلزاميات- (Exigences/ Requirements) الزبائن إلى المُنْتَجات والخدمات المقدمة.

هذا في اللغة.

أما الجودة (Qualité/ Quality) في اصطلاح معاييرها العالمية فتعني –حسب الأيزو 9000 ط 2015 (أنظمة إدارة الجودة –مبادئ ومفاهيم أساسية): جودة المنتجات والخدمات لدى مؤسسة ما، والتي تتحدد من خلال قدرتها على إرضاء الزبائن، وبواسطة الآثار المرئية وغير المرئية على الأطراف المستفيدة. ولا تقتصر جودة المنتجات والخدمات على تأدية الوظائف التشغيلية المقررة، بل إنها تشمل كذلك القيمة والربحية التي يراها الزبون لنفسه.

ويمكن القول عموما بأن الجودة تعني «درجة مطابقة خصائص شيء ما لمتطلبات مخصوصة».

ثانيا-عرض مختصر لـ«أنظمة إدارة الجودة-الإلزاميات»:

تتمثل أنظمة إدارة الجودة-الإلزاميات المطبقة حاليا في محتوى معيار الأيزو 9001 ط 2015 (ISO 9001 V 2015) الذي يشتمل على عشر مواد أو بنود، الثلاث الأولى منها خالية من إلزاميات بينما السبع المتبقية ملزمة للمؤسسات التي تأخذ على عاتقها تطبيق هذا المعيار، كما تستجيب المواد السبع الأخيرة لمقتضيات «عجلة دمنك» (Roue de Deming) المشكلة لقاعدة التحسين المطرد. وفيما يلي المواد العشر تباعا وباختصار شديد.

  1. مجال التطبيق (Domaine d’application/ Scope): يفصل هذا المعيار العالميُّ الإلزامياتِ المتعلقةَ بنظام إدارة الجودة بالنسبة لمؤسسة تريد البرهنة على أنها قادرة على توفير منتجات وخدمات مطابقة، وبصورة دائمة، لإلزاميات زبائنها والإلزاميات القانونية والتنظيمية المعمول بها. وكذلك عندما تستهدف المؤسسة تعظيم رضا زبائنها عن طريق تطبيق نظام الجودة.
  2. المرجعيات المعيارية (Références normatives/ Normative references): يعتبر معيار الأيزو 9000 ط 2015، أنظمة إدارة الجودة –مبادئ ومفاهيم أساسية (ISO 9000: 2015, Système de management de la qualité-Principes essentiels et vocabulaire) ضروريا لأجل تطبيق معيار الأيزو 9001 ط 2015.
  3. مصطلحات وتعريفات (Termes et définitions/ Terms and definitions): تطبق المصطلحات والتعريفات الواردة في الأيزو 9000 ط 2015 على هذه الوثيقة.
  4. سياق المؤسسة (Contexte de l’organisme/ Context of the organization): تُفَصَّلُ هذه المادة الملزمة في أربع فقرات رئيسة: (4.1) تشخيص المؤسسة لاستيعاب وسطها الداخلي ومحيطها الخارجي، (4.2) فالتعرف على حاجيات أطرافها المستفيدة، (4.3) فتحديد المجال الخاص لتطبيق نظام إدارة الجودة، ثم (4.4) تفاصيل هذا النظام مطبقا على الحلقات التسلسلية (أو المساطر) (Processus) للمؤسسة بحيث يتم تحديد كل حلقة وصلتها بالتي قبلها والتي بعدها وما تحتاجه الحلقات لينتظم عملها ويتحسن باطراد.
  5. القيادة (Leadership): تشمل هذه المادة ثلاث نقاط رئيسة هي على التوالي: (5.1) القيادة والالتزام بما فيه اعتماد الزبون وجهةً رئيسيةً، (5.2) فتحرير سياسة الجودة وبثها داخل المؤسسة، ثم (5.3) تحديد الأدوار والمسؤوليات وتوزيعها داخل المؤسسة مع إعطاء الصلاحيات والسلطات الملائمة لتحقيق أهداف سياسة الجودة المرسومة.
  6. التخطيط (Planification/ Planning): يتكون تخطيط الجودة العالمية من ثلاث خطوات رئيسة: (6.1) تحديد المخاطر والفرص ووضع خطة لمعالجتها، (6.2) فتحديد أهداف الجودة ووضع خطة لبلوغها، ثم (6.3) تخطيط أي تغيير يراد القيام به بشأن نظام إدارة الجودة.
  7. الدعم (Support): تتكون مادة الدعم من خمسة عناوين فرعية رئيسية كالتالي: (7.1) الموارد المشتملة على المصادر البشرية والبنية التحتية والبيئة الملائمة لتركيب حلقات الإنتاج والرقابة والقياس والمعارف التنظيمية، (7.2) فتحديد الخبرات الأساسية والتأكد من توفرها، (7.3) فالقيام بتحسيس وتعبئة المصادر البشرية على سياسة وأهداف الجودة، (7.4) فتحديد الحاجات فيما يتعلق بأنواع الخطاب الداخلية والخارجية من حيث التوقيت والمستهدفون والقائمون عليها وكيفيتها، ثم (7.5) المعلومات الموثَّقة (Informations documentées) التي يجب إنشاؤها وتحيينها باستمرار والسيطرة عليها والتحكم بها.
  8. الإنجاز (Réalisation des activités opérationnelles/ Operation): ويشمل سبع فقرات رئيسة: (8.1) تطوير وتطبيق المساطر العملية ورقابتها، (8.2) فتحديد وتوثيق الإلزاميات المتعلقة بالمنتجات والخدمات، (8.3) فوضع مسطرة لتصميم وتطوير المنتجات والخدمات، (8.4) فضبط ورقابة المساطر والمنتجات والخدمات الخارجية، (8.5) فإدارة ورقابة أنشطة الإنتاج وتقديم الخدمة، (8.6) فتنفيذ الترتيبات للتحكم في إصدار المنتج والخدمة، ثم (8.7) السيطرة على المنتجات والخدمات غير المطابقة.
  9. تقييم الأداء (Evaluation des performances/ Performance evaluation): يتكون تقييم الأداء من ثلاث فقرات: (9.1) المراقبة والقياس والتحليل وتقييم نظام إدارة الجودة (ناج)، (9.2) فالتدقيق الداخلي، ثم (9.3) إجراء مراجعات الإدارة وتوثيق النتائج الخاصة.
  10. التحسين (Amélioration/ Improvement): ثلاث فقرات رئيسية مكونة لمادة التحسين: (10.1) تحديد فرص التحسين وإنجاز التحسينات، (10.2) السيطرة على اللامطابقة وإنجاز التصحيحات المناسبة، ثم (10.3) تعزيز ملاءمة وكفاءة وفاعلية ناج (نظام إدارة الجودة).

 

كانت المادة (أو البند) 10 (Article ou/ or Clause 10) آخر ما تطرق إليه معيار أنظمة إدارة الجودة الأيزو 9001 ط 2015. وقد عرضتها باختصار شديد هو ما سنحت به الفرصة لديَّ الآن لتحويل ما أمكنني من هذا العلم الثمين إلى لغتنا الجميلة التي تسعه وتسع غيره.

ولمن يريد توسيع الحديث للقيام بعمل تعاوني مشترك يخدم لغة القرآن والبيان في هذا المجال،

ها هو ذا بريدي الإلكتروني: [email protected]

 

19. ديسمبر 2019 - 7:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا