الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يختار لغة التصعيد ويتحول إلى رأس معارضي رفيق دربه السابق وصديقه الرئيس الحالي محمدو ولد الغزواني في مؤتمر صحفي ستكون له عواقب كبيرة على المشهد السياسي للحزب الحاكم خاصة والمشهد السياسي في البلاد عامة
الجنرال ولد عبد العزيز الذي كان شديد التأكيد على معارضته للرئيس الغزواني بدا مصرا على إرسال عدة رسائل غاضبة ورافضة ومنقلبة لجميع الأطراف بدء بالرئيس الحالي مرورا بنواب الاغلبية الذين استهجنوا ظهوره وأعلنوا تأييدهم للرئيس ولد الغزواني وانتهاء بمحاولة استماتة العاطفة الشعبية الموريتانية من خلال إظهار أنه ظلم وله حق قانوني في مرجعية الحزب على اعتبار ما كان وسبق من سالف الأيام وما سبق وماكان لا يمكن أن يعود وذلك ربما غاب عن ذهن الرئيس السابق المغامر بكل شيء من صداقة ومكانة خاصة بعد تنازله راغبا أو راهبا عن المأمورية الثالة وإعلانه مخيرا أو مجبرا عدم رغبته في خرق الدستوري واحترام مدة المأموريات
فالمرجعية ثم المرجعية ثم المرجعية كانت الكلمة المسيطرة على خطاب ولد عبد العزيز فرددها وكررها مرارا والتكرار في لغة الخطاب السياسي يحمل في طياته العديد من المعاني والرسائل
وأولاها أن الصراع مع الصديق الرئيس المنتخب هو على المرجعية الحزبية لا على كرسي الرئاسي وأي رئاسة تلك التي يجرد صاحبها من أغلبية حاكمة تسانده وقت الحاجة وقد فعلها عزيز من قبل إبان عشر سنين خلت .. فكان الحزب والأغلبية والسلطة التنفيذية والبرلمانية التشريعية ألم ياتك حديث مجلس الشيوخ حين اعترض على التعديلات الدستورية إبان حكم عزيز فكان مصيره الحل والهجوم شديد اللكنة واللهجة على لسان الرجل
فكيف يحل لنفسه شيئا ومرجعية ويحرمها على غيره وقد حلت له ؟
أما ثاني الرسائل فهي التصعيد ضد الرئيس الغزواني واتهامه بخرق الدستور وإظهار في ثوب الديكتاتور الذي لا يحترم التفاوت بين السلطات و لا حرية الأحزاب في اختيار مرجعيتها ولا رئيسها على اعتبار أنه رئيس الجمهورية وسيجمع في يديه السلطة التشريعية إلى جانب الصلاحيات التنفيذية بحكم القانون
أما الثالث فهو محاولة إظهار نفسه أمام الشعب الموريتاني صاحب العاطفة الجياشة في ثوب المظلوم المكبوت حريته والممنوع من عقد مؤتمرات صحفية الذي تنفر منه الفنادق وتتهرب الصحافة خوفا من بطش الرئيس الحالي وهو منطق يكذبه الواقع فقد عقد المؤتمر وقال ما قال عزيز كما قال من قبل ولم يمسه ضر لا سابقا ولا يتوقع أن يمسه فالمعروف عن الرئيس غزواني ذو الخلفية العسكرية صبره وعدم تسرعه في اتخاذ القرارات كما أن يتمتع بنفس طويل جدا كما يقول عنه المقربون منه ومن عرفوا الرجل عن قرب وإلا كان عزيز الآن يقبع في السجن وقد فعل ما لو فعله غيره لكان العقاب والمحاكمة في انتظاره
فالجنرال عزيز خرج بعد ثلاثة شهور من تسليم السلطة وقد دخلت البلاد في حقبة جديدة يترأسها وزير الدفاع السابق ورفيقه غزواني.. خرج منقلبا متنكرا محاولة استعادة نفسه ورئاسته واجتمع بقادة حزب الاغلبية الذين كان يترأسهم ذات يوم مدعيا أنه له الحق في تزعم الحزب الحاكم وأن الرئيس الحالي لا حق له في رئاسة الحزب وهو ما تسبب في انقسام داخل الحزب وبلبة خارجه وصلت الشارع
فلم يعد هنالك حديث في الشارع الموريتاني إلا عن صراع الجنرالين وأصدقاء الأمس خصوم اليوم وشركاء الدبابة والانقلاب
وهو ما يعني أن هناك أمورا حدثت تحت الطاولة قبل مغادرة الجنرال عزيز للحكم
أولاها أن الرجل ارغم على الخروج من الحكم وقد كان في نيته الترشح لمأمورية ثالثة وتعديل الدستور وقد منعه الجنرالات المتحكمون من ذلك
أما ثاني الاحتمالات فهو صفقة بين الرجلين لم يوف أحدهما بها وهي تعني إعادة صناعة عزيز كما حدث في روسيا بين ميدفيدف وبوتين حين شغل الأخير صفة المحلل الثاني
أما ثالث الاحتمالات فهو الندم على ترك الحكم ومحاولة الانقلاب التي تبدو مطروحة خاصة بعد إقالة قائد الحرس الرئاسة في ليلة الاحتفال بالعيد الوطني وهو رجل معروف بولائه للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي صنع مملكة داخل الجيش الموريتاني طوال أحد عشر عاما ما يجعل مهمة الرئيس الحالي خطيرة لغاية اذا لم يتخلص من شبح صديقه الذي يطادره
الاحتمال الرابع وجود بعض الأطراف الدولية خاصة العربية التي تعشق الانقلابات ولا يسرها أي تداول سلمي للسلطة تدعم الرجل وقد طلبت منه الظهور في هذه الفترة تحديدا وخلط الأمور حتى تجبر الرئيس الحالي على الخضوع لها
وبين كل الاحتمالات ومدى قابليتها وواقعيتها تبدو الأمور محسومة في صالح الرئيس غزواني صاحب ثلاث شهور في الحكم
فالرجل عسكري وقائد أركان سابق ووزير دفاع ولديه عقود في الجيش
ناهيك عن وقوف أغلبية النواب معه والظهير الشعبي الكبير له
ضف إلى ذلك غضب الأطراف الدولية الفاعلة في موريتانيا وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس السابق الجنرال عزيز وهو ما أكد الرئيس التشادي الذي صرح بأن تلك الدول منعت الجنرال عزيز من أن يكون مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا خلفا لغسان سلامة وهو ما يعني أنها ستميل إلى دعم رفيق الأمس والرئيس الحالى الجنرال غزواني
وبين هذا وذاك يبقي الشارع الموريتاني في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من صراع الجنرالات أو صراع المحمدين الصديقين في بلاد اعتاد على الدبابة والمدافع أكثر من اعتياده على الصندوق والاقتراع