مثل المؤتمر الصحفي للرئيس السابق فرصة لا تفوت للصحافة المستقلة لطرح ما تريد من أسئلة تشغل الرأي العام على الرئيس عزيز الذي يعتبر أكثر الرؤساء الموريتانيين السابقين إثارة للجدل والريبة في طريقة حكمه ونمط تسييره والوقائع التي جرت خلال عهدته، وذلك بعد أن تم تجريده من السلطة التي يبدو أنها كانت تملؤه غطرسة إلى حد جعله يأمر بقطع برنامج مباشر على الهواء لطرد صحفي تجادل معه في أحد مؤتمراته السابقة.
ويلاحظ المراقب للمؤتمر أن الصحافة المستقلة أهدرت هذه الفرصة حيث فشلت في انتزاع إجابات شافية عن ثمانية أسئلة تشغل الرأي العام بعضها حظي بإجابات ناقصة ومموهة فيما غاب البعض الآخر من هذه الأسئلة كلية وبطريقة مريبة عن المؤتمر، وكما لو أن هناك تدبير مسبق في تحييده أو توظيف تكتيك متعمد بهدف تمرير أجوبة ناقصة أو بديلة عنها، في مقابل التهرب المقصود من الإجابة على الأسئلة الأكثر أهمية.
وتتلخص الأسئلة التي أهملت أو غيبت في الأسئلة التالية :
1 ـ كان السؤال الخاص بحضور الرئيس لاجتماع اللجنة التسيير وترؤسه له ناقصا حيث أجاب على الشق الأول من السؤال والذي يخص أسباب حضوره قائلا انه (حضر الاجتماع لكونه عضوا مؤسسا للحزب وتلبية لطلب بعض الأعضاء في اللجنة)، فيما لم يعمق معه من حضر من الصحفيين الطرح بمواجهته بان هذه الأسباب لا يمنحه الحق في ترأس الجلسة في حضور رئيسها الذي يبدو انه كان غير مهتم بصفته تلك (الرئاسة) مع عزيز الأجنبي عليها باعتباره ليس عضوا فيها، وذلك نظير حساسيته المفرطة (التي كان يذكر بها الرئيس خلال المؤتمر بموجب وبموجب) من ترأس اجتماعاتها من قبل بعض أعضاء اللجنة ذاتها كالأمين العام تحديدا.
2 ـ السؤال عن قضية ملاحقة دائني الشيخ الرضى له والذي طرح على عزيز بصيغة عامة تسمح له بالتهرب من الإجابة عليه كما وقع بالفعل حيث أجاب على السؤال بسؤال مثله (هل تعرفون لماذا باتوا يلاحقوني انأ بالذات منذ عودتي كما فعلوا عند زيارتي لمقر الحزب والليلة)، وكان على الصحفيين أن يواجهوه باعتباره المستفيد الأبرز من العقارات التي تحصلت من صفقات الشيخ الرضى بعد تسريب عشرات الوثائق سنة 2016 هي عبارة عن عقود باسم أحمد نجل عزي الراحل والذي يعتبر الكثيرون أنه كان مجرد واجهة للرئيس.
3 ـ تهمة الانقلاب لم تصغ الأسئلة التي نوقش بها عزيز بالطريقة التي تمكن من انتزاع إجابات شافية منه وذلك بتذكيره بماضيه في المحاولات الانقلابية، واستفزازاته الغير مبررة بتوجيه تهديد مبطن للرئيس من خلال بيان لجنة التسيير الذي ذكر بان الحزب (ما يزال داعما للرئيس الذي يمتلك اغلب النواب والعمد وجميع رؤساء المجالس الجهوية)، في رسالة واضحة بأنه يمكن للحزب (الذي كان يخطط عزيز للاستئثار به) أن يسحب دعمه إذا لم يقبل بما سيفرض عليه من وصاية.
4 ـ لم يحظ موضوع التعارض المثار من قبل الرئيس السابق بين تدخل الرئيس في شؤون الحزب مع الدستور بما يلزم من توضيح ووقوف عنده من قبل الصحفيين لتحصيل إجابات مقنعة، حيث يبدو أن عبارة "حلال عليه حرم على غيره" التي صاغ بها احد الصحفيين السؤال كانت بصيغة مكنت الرئيس عزيز من التهرب من الإجابة أكثر مما حشرته في الزاوية لحمله على الإيضاح والتبرير من خلال تذكيره بتدخلاته هو في التعيينات الحزبية على مدى 11 عاما.
5 ـ غاب الحديث عن ربط شرعية قرارات لجنة التسيير بعاملي النصاب ونسبة التصويت على القرارات، وهي معايير كانت حاسمة لتفنيد إلحاح الرئيس السابق على أهمية حضور وموقف رئيس اللجنة الذي أصبح وحيدا في مواجهة أغلبية الأعضاء إن لم يكن جميعهم، وهنا لم نشاهد لا الفنية ولا الاحترافية للصحفيين الحاضرين أمام الرئيس السابق وهو يكرر بان رئيس للجنة (وهو شخص واحد) لا يوافق على قرارات اللجنة الأخيرة الخاصة بالاجتماع أثناء غيابه ولا على تغيير موعد المؤتمر الجديد حيث لم تذكره الصحافة بان من اتخذ تلك القرارات كانوا ثلاثا وعشرين عضوا من أصل 25 عضوا.
6 ـ لعله من المفارقة بمكان أن السؤال الأكثر إحراجا للرئيس عزيز لم يتم التطرق إليه في المؤتمر و يتعلق الأمر بالموقف من تصريحات الوزيرة الليبية الأيام الماضية عن وجود صفقة بين الحكومة لليبية و عزيز لتسليم السنوسي مقابل 200 مليون دولار، مع التطرق لموقف عزيز من إطلاق سراح السنوسي والحديث عن نيته الحضور إلى موريتانيا لرفع دعوى ضد الرئيس عزيز شخصيا.
7 ـ لم تناقش الصحافة مع عزيز قضية امتناع الأمم المتحدة عن تعيينه مبعوثا إلى ليبيا كما ورد في تصريحات منسوبة للرئيس التشادي إدريس ديبي، وهو الامتناع الذي ربطه البعض بالصورة السلبية السيئة للرئيس عزيز لدى الليبيين والتي أسهمت فيها إلى حد كبير واقعة تسليمه للسنوسي مقابل المال.
8 ـ لم يحظ المستقبل السياسي للرئيس عزيز بالنقاش خصوصا بعد المؤتمر المنتظر للحزب والذي يتجه لإحداث قطيعة جذرية مع ما كان ينسب لعزيز فيه من قيادة وحتى شعار واسم، ومناقشته كذلك في العزلة الخانقة التي بات يعاني منها أو فرضت عليه، وما إذا كانت ستنتهي بتكوينه لحزب سياسي او لاعتزال كلي للسياسة والسفر إلى الخارج.
وهناك ملاحظة جوهرية لا بد من التوقف معها وهي أن الصحفيين الذين جاؤوا إلى المؤتمر جاؤوا من دون تحضير أو يقظة تمكنهم من التصدي لبعض المغالطات التي أراد الرئيس تمريرها في المؤتمر موظفا تكتيكه الهادف لتحويل موقفه الضعيف الذي حشر فيه نفسه إلى موقف قوي، يظهر ذلك في عدم تسلحهم بمعلومات قانونية أو ضرورية عن الحزب ومنتسبيه لكشف مغالطات صارخة كنفي عزيز لأي علاقة للوزير الأول الحالي بالحزب وهو الذي كان عضوا في أول مكتب تنفيذي للحزب 2009، كما انه ترأس اللجنة التحضيرية لأول مؤتمر يعقده الحزب بعد الإعلان عن تأسيسه في نفس العام، وكذا مناقشة عزيز في طرق التحصل على عضوية الحزب انطلاقا من الاطلاع على نظامه الأساسي وهل انه يكفي الإعراب عن الرغبة أو لا بد من كتابة طلب والتجهز بتحصيل أمثلة مسبقة وذلك من اجل توضيح موقف النفي الذي ساقه من انعدام وجود علاقة يمكن ان تربط الرئيس الحالي بالحزب.
ولعل هذه الملاحظات توضح مجتمعة على أن المسكوت عنه والمغيب في مؤتمر عزيز كان أهم مما تم توضيحه من خلال إستراتيجية قامت على التنكيت والتشدق بالتمسك بالقانون الذي لم يجد من يذكره بأنه هو من يمنح المرجعية للأغلبية التي سببت صداعا للثلاثة المشاركين لأنهم صاروا وحدهم بعد أن نفض الجميع من حولهم، كما توضح تلك الملاحظات أن التحليل المعمق يوصل إلى إن عزيز ارتبك غلطة كبيرة بتنظيمه لهذا المؤتمر الذي أبان من خلاله فقط عن انه فقد في معركة المرجعية (وذلك في اقل من شهر) جميع ما بناه من اعتبار ونفوذ وعلاقات وصداقات على مدى فترة الإحدى عشر سنة التي قضاها مطلق اليد في الحكم، وبصورة يبدو انه لا يمكن له تداركها أو التراجع عنها.