فقط من باب تدبر وتأمل مآلات الأمور وتحولات الأحداث التي طبعت واقعنا السياسي المعاصر .
يجد المتابع للشأن العام أنه ما من حاكم حكم هذه البلاد إلا كان جمهور موال شديد الولاء إلى حد الإسراف على نفسه ، يتبارى أفراده في التعبير عن صدق ولائهم ومحض إخلاصهم بشتى وسائل التعبير: كتابة أو خطابة شعرا أو نثرا.
وما إن يغادر أي حاكم من هؤلاء كرسي الحكم ـ والغالب أن يغادر بانقلاب عسكري أو شبهه ــ إذا بهذا الجمهور الكريم يتصدع ويتشذرم ويتدابر ويتنابز بالألقاب، وبدون مقدمات تراه بتهافت ويتباري في تنافس محموم على ولاء الحاكم الجديد مهما كان تناقضه مع سلفه، وإذا اقتضى المقام لعن من كان يوالي ويمدح بالأمس فالأمر يسير : المثالب كثيرة ووسائل التعبير طوع القلم واللسان، والنشر متاح بشتى ألوانه والوفاء والعفاف محل استفهام ؟؟؟؟؟ على رسلكم يا هؤلاء، رفقا بأنفسكم يا ساده ، اتقوا الله فيها وفي شعبكم ووطنكم (وأصلحوا ذات بينكم)،(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) قديما قال حكيم العرب"الصدق منجاة والكذب مهواة والحزم مركب صعب والذل مراكب وطيء" ومن أذل ِمـنْ مَـنْ يجعل من نفسه كرة تتقاذفها الولاآت السياسية الهشة لأهداف لا ينطلي على أي كان أنها نفعية ونفعية فقط .
مهلا أعزائـنا الكرام إذا تأتي ذلك السلوك المشين في عهد الأحكام المطلقة أو الشمولية أو كما يسمونها حيث لا مزية للناخب ولا منه للمحكوم على الحاكم ، فكيف يستقيم وقد بات الحكم (ديمقراطيا) والحاكم منتخبا والسلطة سلطة الشعب فما الداعي إلى ما نحن عليه؟ أليس من الغريب أن الأغلبية طيلة عهد معاوية عشرين سنة هي ذاتها الأغلبية في عهد سيد وعزيز وترغب بكل تأكيد أن تشكل أغلبية غزواني، فنخبة حزب الشعب في السبعينات تكاد تكون هي ذاتها نخبة هياكل تهذيب الجماهير في الثمانينات الاستثناءات قليلة ومن عواملها الموت والشيخوخة وتلك النخبة هي ذاتها في الحزب الجمهوري في التسعينات وهي كذلك في عادل على عهد سيدي والاتحاد على عهد عزيز وربما نحن مقبلون على تسمية مولود سياسي جديد ينتظم ذات الأغلبية.
إلى متى ونحن نتخبط في هذه الورطة؟ لم لا ندبر أمورنا بروية وأناة؟ أليس لنا من ديننا ونخوتنا وأمجاد سلفنا وتاريخ أمتنا وواقع شعبنا وحاجات وطننا ما يربأ بنخبتنا السياسية عن ممارسات مشينة عفا عليها الزمن تبين سخفها وثبت خورها وسوء عواقبها على الأوطان والشعوب؟ أو ما آن لحكامنا أن يأخذوا العبرة من الولاءات الزائفة والبطانات الانتهازية المضللة؟ أما آن لهم أن يترجلوا حتى تتسنى لهم تحديات المرحلة ماثلة ومعاينة أوليات الشعب وإمكانات الوطن عن كثب وبدون وسائط؟ .
معظم الحكام الموريتانيين السابقين يصلون إلى الحكم ولديهم رغبة مؤكدة في خدمة بلدهم ولكن جماعات الضغط المرجفة المتمرسة في ميدان التنافس على النفوذ والكسب المادي المشبوه ما تفتؤ أن تضرب من دونهم حجابا سحريا صفيقا يمنعهم من رؤية الحقائق كما هي وليستأثروا بهم من دون العامة ومشاكلها وويلاتها ويعملوا على غسل أدمغتهم وإعادة برمجتها خالصة لهم من دون غيرهم، فمن لما بساسة محنكين حكماء على مستوى التحدي يستطيعون تحصين حكامنا من تلك الفئة الظالمة؟ وتقديم المشورة الصالحة على نحو يخدم البلاد والعباد، بيت القصيد في الحكم الرشيد يكمن في حسن اختيار البطانة .
كل المؤشرات الأولية تبشر بأن لدينا مشروع حاكم بمواصفات الحاكم الذي نحتاجه على الأقل في المرحلة الراهنة فمن يعصمه من كيد أولئك المتربصين المتشاكسين؟.
اللهم سلم سلم... اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ... اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصية يؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر اللهم ول أمورنا خيارنا ولا تول أمورنا شرارنها. إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وأنت على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير