الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد،
مما لا شك فيه أن الأربع عشرة سنة الماضية شهدت عدة تحسينات وزيادات ملحوظة، شملت زيادات في الأجور، والعلاوات، واستحداث علاوات، وتقليص في الضرائب؛ خاصة في قطاع التعليم؛ غير أن جميع ذلك لم ينعكس إيجابا على أداء منتسبيه من مدرسين، ومديرين ومستشارين، ومفتشين..
فما السبب في ذلك يا ترى؟
وما المقترحات والحلول؟
أولا: الأسباب:
أعتقد جازما، أن أسباب ذلك تتلخص في ثلاثة أمور:
- السبب الأول: افتقاد كل هذه الزيادات والتحسينات لزخم الفاعلية، والتحسينات الملموسة التي تغير دفعة، بشكل جذري وملموس، من واقع مرير وصعب في الظروف المعيشية لهؤلاء الموظفين البسطاء. فقد كانت بمثابة التقطير المتفاوت؛ ولو تجمعت هذه التحسينات أو بعضها، وجاءت دفعة لكان ذلك أدعى لانعكاسها الإيجابي في الأداء.
- السبب الثاني: افتقادها لمعنى التحفيز - خاصة علاوة الطبشور - وافتقاد العدالة في التوزيع.
فمما يتنافى مع العدالة ومفهوم التحفيز، أن ينال الذي يعمل ساعتين فقط من التدريس أسبوعيا، أو ست ساعات، أو الذي لا يدرس إطلاقا نفس ما يناله الذي يعمل بجدول مشحون (28 ساعة أسبوعيا)! (أي: 30000 أوقية قديمة للجميع، على حد سواء!) ومن هذا المنطلق صار كل مدرس يطالب بعلاوة الطبشور، في نفس الوقت الذي يصارع، ويضغط بكل الوسائل أن يحصل على أقل وقت من العمل، أو يسيب مع الحصول على العلاوة كاملة، وهو متاح. فأي معنى للتحفيز؟ وأي نوع من العدالة؟ في هذا الحال!
كما أنه من غير العادل ولا المنصف، ومن غير المشجع أن يحصل الموظف على أقل مما يحصل عليه مرؤوسه، كعلاوة التأطير عند المفتش (15000 أوقية قديمة) التي تساوي حاليا نصف علاوة الطبشور عند المدرس (30000 أوقية قديمة)؛ وقد كانت تضاعفها عدة مرات في السابق، فانعكس الأمر بفعل زيادات متتالية "للطبشور" مع إهمال زيادة "التأطير".
ومن غير المحفز ولا المنصف كذلك، أن يتحول التقدم في الرتبة إلى تأخر، ونقص في المرتب بدل زيادته كما هو الحال عند معلم يتقدم من الرتبة: 12 إلى الرتبة: 13 فيتفاجأ بافتقاد ما يناهز 5000 أوقية قديمة من راتبه الصافي الشهري بدل أن يزداد.
- السبب الثالث: ومن الأسباب التي لا يمكن أن نتصور معها أي تحسن في أداء الموظف، مهما حصل عليه من تحسينات، غياب أدوار: الرقابة والمتابعة والتكوين والتقويم. وهي أم النواقص والمشاكل التي يعاني منها التعليم الأساسي في هذه الحقبة. فإهمال الاهتمام بظروف المفتشين ووسائل عملهم والنقص في اكتتابهم، كل ذلك جعل هذا القطاع سائبا، لا رقابة ولا متابعة ولا تأطير ولا تقويم؛ ولا يتصور إصلاح لما هو سائب ومهمل.
ثانيا: المقترحات:
1. لا بد من تحفيز ذي زخم وفاعلية، له أثر واضح في تحسين ظروف العاملين في القطاع؛
2. أي تحسينات تخص قطاع التعليم ينبغي أن تركز على علاوة الطبشور، ثم تترتب على أساسها علاوات التحفيز الأخرى، كالإدارة للمديرين المفرغين، وعلاوة التأطير للمفتشين؛
3. يجب أن يتفاوت مقدار علاوة الطبشور حسب الجداول الزمنية للمدرسين، كأن يكون على النحو الآتي:
أ- الحد الأدنى: 28000 أوقية قديمة لمن يعمل 14 ساعة أسبوعيا (2000 أوقية شهريا عن كل ساعة تدريس في الجدول الأسبوعي). ولا يقبل أقل من ذلك الحجم من التوقيت (14 ساعة أسبوعيا)؛
ب- الباقة الثانية: (من الساعة الخامس عشرة في الجدول الأسبوعي إلى الساعة العشرين) 4000 أوقية قديمة شهريا عن كل ساعة. فمجموع هذه الباقة: 6 ساعات × 4000 أوقية = 24000 أوقية.
أي أن من يعمل 20 ساعة أسبوعيا، يحصل على: 28000 + 24000 = 52000 أوقية شهريا.
ج. الباقة الثالثة: أربع ساعات (من الساعة: 21 إلى الساعة: 24) 6000 أوقية قديمة شهريا عن كل ساعة في الجدول الأسبوعي.
فمجموع هذه الباقة: 4 ساعات × 6000 أوقية = 24000 أوقية.
أي أن من يعمل 24 ساعة أسبوعيا، يحصل على: 28000 + 24000 + 24000 = 76000 أوقية شهريا.
د. الحد الأقصى: الباقة الرابعة: أربع ساعات (من الساعة: 25 إلى الساعة: 28) 8000 أوقية قديمة شهريا عن كل ساعة.
فمجموع هذه الباقة: 4 ساعات × 8000 أوقية = 32000 أوقية.
أي أن من يعمل 28 ساعة أسبوعيا، يحصل على: 28000 + 24000 + 24000 + 32000 = 108000 أوقية شهريا؛
4. يقبل من المعلم في مدرسة تكميل توقيته في مدرسة أخرى يتاح له التنقل بينهما؛
5. يجب استخدام تطبيق معلوماتي - على غرار التطبيقات المستخدمة في رفع نتائج الانتخابات - من أجل ضبط التوقيت في كل مدرسة، حسب أقسامها الدراسية، وضبط إسناد هذا التوقيت إلى المعلمين.
إن من شأن هذه الإجراءات أن تجعل المدرس يصارع من أجل شحن جدول عمله الأسبوعي بدل صراعه من أجل تقليصه أو تفريغه؛ وهذا هو التحفيز؛ وسيتقلص النقص من المدرسين إن لم يتحول إلى فائض؛
6. ينبغي أن يحصل المدير الواجب تفريغه على أزيد من الحد الأقصى من علاوة الطبشور (108000 أوقية ق) كعلاوة إدارة خاصة، أما المدير المدرس، فيحصل على علاوة الطبشور، حسب عدد ساعات تدريسه + علاوة إدارة عادية، على أن تتم مراجعة وإعادة تحديد هذه العلاوة؛
7. ينبغي أن تزيد علاوة التأطير عند مفتش القطاع عن علاوة الإدارة الخاصة، وهكذا بين علاوة تأطير مفتش القطاع ومفتش المقاطعة وبين الأخير والمدير الجهوي؛
8. ينبغي أن تصحح وضعية التقدمات التي تنقص الراتب بدل أن تزيده، وذلك بمراجعة السبب، وهو الزيادة على الراتب 2015 التي تتغير من زيادة 50% إلى 30% مباشرة، وبدون تدرج. فبدلا من ذلك ينبغي أن تتغير بتدرج، من 50% إلى 45 للرتبة الموالية ثم إلى 40 للرتبة الموالية لتلك ثم إلى 35 وهكذا حتى نصل إلى 30% بشكل تدريجي؛
9. ينبغي مراجعة علاوة البعد، حتى تتسم بصفة التحفيز؛ ومثال ذلك، في لعصابه ـ مثلاـ تلغى علاوة البعد من مدينة كيفه، التي يضغط كل معلم في الولاية من أجل دخولها؛ بينما يتم تحسين علاوة البعد بشكل مقنع في مناطق الولاية التي لا تجد من يرغب فيها، وأغلب مدارسها الآن موصدة؛ كمناطق آفطوط باركيول، وظهر لعصابه، وبلديات: تناهه وهامد وبلا جميل في كنكوصه.
كما يجب إنصاف المفتش في هذه العلاوة (مفتش في باركيول: 200 كلم من عاصمة الولاية، بعده: 7000 أوقية ق، والأستاذ في نفس القرية: حوالي: 14000 أوقية ق. ومعلم في بركه: 50 كلم من عاصمة الولاية، بعده: 13000 أوقية ق) مع العلم أن المفتش مهيأ لأن يصل ويتنقل إلى أبعد نقطة؛
10. ينبغي اكتتاب مزيد من المفتشين، والاهتمام بتحسين ظروفهم، وتزويدهم بالوسائل اللازمة من سيارات وأدوات، ليتسنى لهم القيام بأدوارهم من بحث، ودراسة وتخطيط، ورقابة، ومتابعة، وتأطير وتكوين، وتقويم... ولا شك أن هذه الوظائف (وظائف المفتش) هي عماد أي تحسن أو تطوير؛ كما لا شك أن في غيابها لا ينبغي الحديث عن أي إصلاح، ولا الطمع به.
ويجب أن تثبت لمفتش القطاع مرتبته المعروفة له: رئيس مصلحة، وينال ما يقابلها من علاوة الأعباء الخاصة، كما كان ينال ما يقابلها من علاوة الوظيفة؛ أما مفتش المقاطعة، فينبغي أن يكون - على الأقل - في رتبة: مدير جهوي مساعد.
ومن الأمور غير المستساغة، أن يكتتب المفتش عن طريق مسابقة داخلية من بين آلاف المعلمين المتسابقين؛ ويخضع للتكوين لمدة سنتين، يتلقى خلالها تقنيات التفتيش والإدارة وتسيير المصادر البشرية وكذا المالية وهندسة التكوين وبناء المناهج والإحصاء فضلا عن البيداغوجيا والأندراغوجيا وعلم النفس..؛ وينتقل من الفئة "ب" إلى الفئة "أ"؛ ثم يبقى - رغم كل ذلك - يحمل نفس العلامة القياسية للراتب، ونفس الراتب القياسي قبل اكتتابه وتخرجه مفتشا!...
وخلاصة القول:
من أجل أن تؤتي أي تحفيزات أكلها في حقل التعليم الأساسي، لا بد أولا، من تمكين المفتشين من تأدية مهامهم، وتزويدهم بالوسائل، وتحسين ظروفهم، وإنصافهم في الراتب وعلاوات: التأطير والأعمال الخاصة والبعد والتجهيز؛ وفي نفس الوقت إقرار تحسينات تتسم بكونها محفزة فعليا على العمل، وجذرية، تحدث نقلة محسوسة في ظروف عيش المعلمين، مديرين ومدرسين.
ثم إن نظام الأجور في البلاد، يحتاج - على العموم - إلى مراجعة شاملة، لما به من غبن واختلالات.