موالاة الصحة ومعارضة الفراغ !!! / عبد الله ولد الصافي اخليفة

عبد الله ولد الصافي اخليفة  (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) حديث نبوي شريف

مساء السبت 13 أكتوبر2012 كان كل شيئ في نواكشوط يوحي بأن الأمور طبيعية جدا وتجري على حالتها..  حجاج عالقون في مجمع ابن عباس وأصحاب وكالات يعتصمون في مكتب الوزير والأمين العام ... أساتذة محولون تعسفيا يعتصمون في الوزارة وولد باهية يعربد... زحمة مرور خانقة... أطفال في عمر الزهور يكررون على قارعة الطريق "في سبيل الله"...  نساء يتفنن في 

زينتهن وعرض أزيائهن في الطريق العام علهن يجدن سعيد أو شقي الحظ ... مجاميع من أمن الطرق "مسغارو" تبتز السائقين وتبحث عن ضحايا جدد... رياح شمالية شرقية حارة وجافة "إريفي" ...

إنه انواكشوط مساء ليلة الرصاص المشهودة ... غير أن الأحداث بدت أسرع وأكبر مما تخيله الوزير أحمد النيني وحسبه سائق التاكسي وتصوره بائع الألبان في "أطويلة" المزعوم...

 إذ جاءت ساخنة من محيط المستشفى العسكري في حدود الثامنة مساء عن تواجد أمني مكثف وإغلاق للطرقات ومسيرة غير مرخصة للفضوليين "أهل الغباء" باتجاه المستشفى بحثا عن خبر الرئيس .

عموما كان تفاعل الطبقة السياسية مع حادثة الاغتيال _ سواء حدثت عن طريق الخطأ كما روجت لها الجهات الرسمية أو "نيران صديقة" بتأنيث النيران ومن أطلقها  باعتبار مفهوم ومستوى  الصداقة في كلتا الحالتين غير متجانس عند علماء الاجتماع على الأقل_  كان تفاعل السياسيين مع الحادثة إذا دون المستوى في شقه السياسي ويبعث على القلق وإن بدى من الناحية الإنسانية موقفا شجاعا يستحق الإشادة ...                                                                                              فقد أعلن حزب تكتل القوى الديمقراطية عن إلغاء مؤتمر صحفي لرئيسه أحمد داداه كان مقررا صباح اليوم الموالي   بينما بادر رئيس حزب "تواصل" محمد جميل منصور  إلى التغريد و الدعاء بالشفاء العاجل للرئيس والعودة الميمونة إلى حضن ذويه..  لتطبق الأغلبية صمتها حتى منتصف اليوم الموالي ليخرج حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ببيان يهنئ فيه الشعب على نجاة الرئيس ليأتي الدور بعد ذلك على منسقية المعارضة التي أعلنت تضامنها مع الرئيس الجريح وتجميدها لأنشطتها تضامنا معه ليذهب رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي الرئيس مسعود ولد بلخير  إلى السفارة الفرنسية طلبا لــ "فيزا" تمكنه من عيادة الرئيس وولي نعمته الجديد ومخترع الحوار... غير أن أبوابا موصدة وشروطا جارحة في حق الزعيم منعته من التأشرة ربما لأن الفرنسيين يعرفون أكثر من غيرهم أنه رئيس برلمان منتهي الصلاحية منذ عامين ويقدرون جيدا خطر المواد منتهية الصلاحية على الجسم البشري فما بالك بالمؤسسات الدستورية في أجسام الدول ... ربما... من يدري!!!

وإذا كان من المسلم به لدى المتتبع لمكونات الموالاة ومواقفها من الأحداث على امتداد التاريخ السياسي للبلد أن لحظة إصابة الرئيس ومواسم الفراغ في السلطة وزمن الأزمات الكبيرة هي لحظات "انبطاح" لنشاطها وخرجاتها الإعلامية وتوار عن الأنظار (ربما كان بعضهم سعيدا بوجوده في الديار المقدسة لأداء مناسك الحج ليلة الحادثة أكثر من أي وقت مضى)  ذلك أنها أصلا تكثر عند الولائم وتقل عند الفزع "موالاة صحة" فما دام  النظام قويا سالما من الاعتلال البدني سليما من غضب العساكر فهي موالاته وهو نظامها وما إن يتضح تخلي المؤسسة العسكرية عنه حتى تصب لعناتها عليه وتعلن دعمها "اللامشروط"  لقائد مسيرة التغيير الجديد أوحتى المنتظر "الجنرال أو العقيد" وتبدأ  ترتيباتها لإنشاء حزب جديد والبحث في سفرائها في الخارج عن شخصية من الدرجة الثانية من الحزب "المحكوم" به سابقا ليكون وجه الحزب "المحكوم" به الجديد إنهم مناضلوا "حزب الشعب" أيام الرئيس المختار ومخبروا "الهياكل" زمن هيدالة   وأطر"الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي"في عهد معاوية  ومثقفوا "العهد من أجل الديمقراطية والتنمية _ عادل" ربيع الديمقراطية وزمن الحلم الموؤود  وموالاة "الاتحاد من أجل الجمهورية" زمن الرمادة وردة الديمقراطية...  لم تزد إلا بأبنائها وأحفادها ولم تنقص إلابمن عاجلته المنية أو بمن غادر على مضض أيام بدأ الرئيس الجريح تصفيةمجموعات قبلية وسياسية لها تاريخ في الدولة يحسدها عليه..                                                                                                   وإذا سلمنا جدلا بانتهازية منسقية المعارضة الديمقراطية وهي التي عاودت مزاولة أنشطتها بعد أسبوعين من التجميد والانتظار فإن قادة المعارضة لم يكونوا على المستوى المطلوب بعد أن بات من شبه المؤكد أن الرئيس غير قادر في الأمل المنظور على مزاولة نشاطه الرسمي فقد بادروا إلى الدعوة إلى مشاورات مع أحزاب الأغلبية وكأن لها من لأمر شيئ في رسائل أشبه ماتكون بـــــ "غزل سياسي فاحش" يرقى لحد التلاعب بمصير الوطن  إنهم يسيرون من طرف قائدهم الجنرال المريض و رفقاه في درب وأد الديمقراطية وسرقة نضالات الشعب وخطف إرادة الأمة... فلم ترسل المنسقية رسائل إلى أحزاب من قبيل حزب الاتحاد والاتحاد والوسط ووو...  وهي أحزاب تتلقى الأوامر مباشرة مثلما تتلقاها كتيبة المدرعات الخفيفة في افديرك إلا إذاكان من باب العجز عن مسايرة المرحلة و "الوهن السياسي" أو تمرير رسائل إلى القيادة العسكرية وهو مايصدق عليه المثل الشعبي وقصته المشهورة "أختيل ملان ابلحشيش"  لا يوجد في الموالاة رجل رشيد!!!

مالا يمكنني هنا تجاهله والسكوت عليه هون أن مواقف المنسقية كانت أكثر جرأة أيام كان لنا رئيس مختلف في شأنه أما اليوم وقد أصبحنا من دون رئيس ونسير من طرف "مجهولين" وفي أحسن الأحوال من طرف النخبة العسكرية فمن غير المقبول أن تتراجع المنسقية إلى هذا المستوى وإلا تصبح "معارضة الفراغ"  فإما أن تعترف بالأمر الواقع وتفاوض قادة الجيش على مافيه مصلحة الوطن وإما أن تترك الشارع ليفعل فعله أما الموالاة فليست بشريك يعتمد عليه أصلا وفي هذه المرحلة بالذات لأنها مترددة وحائرة وربما عندما تأخذ زخرفها وتحشد حشدها لاستقبال الرئيس يأتيها أمر الجنرالات ليلا أو نهارا فتنقلب على أعقابها لتحرير ملتمسات التأييد  والمساندة...                                                                                                      أما أحزاب المعاهدة فقد أضحت خارج اللعبة منذ زمن ولم تعد تبحث عنه سوى بقاء عزيز والوضع على ما هو عليه لتضمن بذلك بقاء مسعود رئيسا للبرلمان حتى إنه يمكن أن يطلق عليه "لحود البرلمان"  في استنساخ جديد لدور الرئيس السوري بشار الأسد في التمديد للرئيس اللبناني السابق "إميل لحود" .        

 ختاما إن لم تقم الأطراف الفاعلة في المشهد الوطني " الجيش الوطني و منسقية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة" بدور فاعل بتنسيق أو غيره في إنقاذ سفينة الوطن فإن الجميع يتحمل المسؤولية في نهب الوطن وغرق القارب و ما قصة التحويلات المالية الضخمة من البنك المركزي منا ببعيد.

عبد الله ولد الصافي اخليفة

طالب جامعي 10 _11_2012

10. نوفمبر 2012 - 11:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا