الحياة السياسية في ظل العسكر / صبحي ولد ودادي

منذو أن أطبق العسكر على الحياة السياسية والفكرية والثقافية في موريتانيا في نهاية السبعينات أصاب الحياة السياسية تشوه بالغ ظل يتفاقم حتى وصلنا إلى حال تسممت فيه السياسة وممارسة الشأن العام، وأصاب العلاقة بين النخبة والمجتمع أزمة ثقة عميقة بعد أن انخرطت مجاميع من هذه النخبة في احتراف السياسة ليس باعتبارها وسيلة لتقديم مشروع مجتمعي أو المشاركة الإيجابية في خدمة الناس، ولكن باعتبارها وسيلة للنفوذ والسلطة والمال.

أحزاب للإدارة وواجهات للمخزن

وهكذا تفطن العسكر إلى ضرورة اختراق المجتمع المدني بأجهزة تسند حكمه وتروج لرؤيته إعلاميا وسياسيا، وتضمن هيمنته على الحياة السياسية، ولم تكن أدوارهذه الأجهزة نبيلة دائما، فمن هياكل تهذيب الجماهير إلى الحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي فما بعد ذلك، ظلت واجهات العسكر السياسية بائسة، وقد استغلت مقدرات الدولة وهيبتها، ترغيبا وترهيبا، لسوق الناس إلى بيت طاعة المخزن.

وتم خلق طبقة من كبار الموظفين والتكنوقراط تحالفت مع أرباب المال وشيوخ القبائل وتم بعث القبيلة من مرقدها لتقوم بدورالتعبئة وأخذ الولاء لحكام القصر المتقلبين بين عسكري ذي نياشين وعسكري متخف يحكم بالعسكر أو يحكم العسكريون به.
أجهزة متعددة الأدوار 

تنوعت أدوار أحزاب المخزن مابين جهاز للجاسوسية وإرهاب الناس كما هو الحال بالنسبة لهياكل تهذيب الجماهير حين تحول المجتمع إلى ساحة للرعب والخوف من الملثمين والنافذين، إلى ماكينة للدعاية تسوق الناس للحشد والتصفيق وتنظيم المهرجانات الإستعراضية التي تتحول إلى مناسبة لهدر المال العام دفعة واحدة لشعب يعاني الفقر والمرض والأمية.

وتكتمل الحلقة حين تقوم هذه "الواجهات" المدنية بتعبئة المجتمع في إطار ثقافة سياسية مميتة تجعل السياسة وسيلة للغنى والتكسب وتجعل كفاية العامة من ذلك فتات يتم رهنه بدعم النظام الذي تماهى مع الدولة ومع الوطن وألغى أي وجود للمجتمع الأهلي وللأحزاب السياسية والتنظيمات المجتمعية إلا ما دخل منها تحت يافطته وتنافس مع أجهزته في مضمار بيع الضمير ومستقبل الوطن ومصالح الناس. 

إنتاج خطاب التخوين..والتثبيط.. 

لم تستطع هذه الأحزاب أوالواجهات أن تقدم للساحة خطابا سياسيا وبرنامجا لتنمية المجتمع سياسيا واقتصاديا، بل اقتصر دورها على تقديم خطاب يمجد الحكام ويرفع مستواهم إلى مصاف الأنبياء والمخلصين والقادة التاريخيين، وإظهار مخالفيهم باعتبارهم مارقين وخوارج ودعاة فتنة.

ومن تجليات ذلك أخيرا ان يتحول حزب سياسي إلى جهاز للقذع والتكفير والشتيمة، وأن يسخر مثقفون بارزون أقلامهم للإقصاء والتخوين والمطاردة والخطاب الخشبي ضد كل معارضي السلطة أشخاصا ومؤسسات.

مراكز قوى غير منظورة..

في منتطم سياسي غير صحي كحال منتظمنا السياسي من الطبيعي أن يكون الدور الأبرز لمراكز القوى المتعددة وأن تبرز اللوبيات ومراكز القوى المالية والأمنية والاجتماعية، مما أدى إلى وجود ما يمكن أن نسميه الدولة الخفية، التي تتفاعل تحت السطح، وتوجه الحياة السياسية في مسارب ومواقف تحقق مصالحها الخاصة، وسيعني تعدد هذه اللوبيات قيام حالة من الصراع على المغانم والمكاسب والنفوذ، ولا تسل عن الاستقواء بكل الأساليب، وقيام تحالف غير مقدس بين أساطين المال ورجال الحكم وأجهزة المخابرات المختلفة، وبطبيعة الأحوال فإن القاسم المشترك بين أطراف هذا التحالف ليس مصلحة موريتانيا ونماءها. 

فرق تسد..

بدلا من أن تشكل الديموقراطية فرصة للتربية السياسية لمجتمع بدوي لم يتعود التنظم والتجمع عمد الحكام العسكريون ومن يحكمون بهم إلى تأزيم العلاقات في المجتمع الأهلي المتسامح من خلال تطبيق منهج "فرق تسد"..بغية إشغال المجتمع بحساسيات قبلية بائدة وتنشيط حالة من التنافس الأبله لنيل رضا الحاكم، وهو ما أنتج حالة من التمزق الاجتماعي وصلت في مرات عديدة حد التناحر والتقاتل، ووصلت في كل الحالات إلى نشوء عداوات قطعت الأرحام وأحيت عصبيات الجاهلية المنتنة. 

واتباعا لذات السياسة ضُرِب نسيج المجتمع في مقتل وتعرضت وحدة فئاته وانسجامها الأزلي ورباطها الأخوي لشرخ عميق حين تم تعريض بعض مكوناته للظلم والتشريد والقتل، وروج هؤلاء لذلك باعتباره ضرورة لبقاء بعض المكونات وتحكمها وتفوقها في وجه تهديد البقية.

إن حصادا بهذا السوء، أفسد الإنسان وشوه الممارسة السياسية وأثقل المجتمع بالثارات والعداوات وعرض لحمته للخطر، وبدد الثروات، وحول الحكم وملحقاته إلى مرتع للفساد السياسي والإداري والمالي لحري به أن يرحل بعد أن أشعل الحرائق في كل مكان...اللهم خلصنا من حكم العسكر وجنبنا فساد وكلائه المدنيين. 

 

6. نوفمبر 2012 - 11:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا