إن النخبة التي كانت مهيمنة على الحياة السياسية تتسابق اليوم إلى نقد ما كانت مهيمنة عليه ومسؤولة عنه ، بل ما أنجزته وسطرته بتواقيعها وتحقق بمباركتها وامتداحها من أوله إلى آخره .. فأي نخبة هذه التي تتنكر لصنيعها ؟.
إن نقد الانظمة ليس عملا سيئا ، لكنه في هذه الحالة جاء متأخراً إذ لو كان في وقته لكان أكثر فائدة ولما انتشر الفساد وعم على طول امتداد الفترة كلها .
وبعد فوات الأوان كما يتضح بدأ المنتقدون من داخل النظام يطرحون مساوئه لحاجة في نفوسهم ، هي الابتعاد عما يشوبهم أو يعلق بهم من مرحلة كانوا هم وقودها ومطيتها . ذلك أن تنكرهم لها ولماضيهم فيها قد يمهد لهم الطريق لتموقعهم الجديد وهي مسألة معروفة وطريقة مألوفة ومتبعة كلما تبدل أو تغير النظام في البلد .
لا عذر أبداً للنخبة القريبة من مركز صنع القرار ورافقته حتى آخر رمق فيه ، أن لا تسجل في الوقت المناسب نقدها أو اعتراضها أو استقالتها من مهامها تعبيرا عن رفضها لما لاحظته من فساد ونهب وسرقة . إن الذي شاب المرحلة على النحو الذي تصف في خرجاتها مطالبة بأن يكون تصرفها فيه مستندا إلى رؤية واضحة تعكس حقيقته وتبين مدى ارتباط النخبة بالوطن وليس الأفراد ، وبالتالي تبرئة ساحتها وذمتها من عيوب الفترة التي تحوم فيها الشكوك حولها لجسامة ما كانت تتحمل فيها من مسؤولية. إنهم كمن يُغرق السفينة ثم يهرب بعد فعلته الشنيعة طلبا للنجاة .
كلا لابد أن تتحمل النخبة في الزمن والوقت المناسبين نتائج أفعالها وتحاسب حتى لا تبقى دائما في مأمن من الحساب ، لا أن تكافأ بأن تظل معززة مكرمة تقاد بها جميع الأنظمة التي تتعاقب على هذا البلد. فما الجديد إذاً؟ وجوه استنفذت كل طاقاتها وما في جعبتها دعماً ومؤازرة للنظام السابق وها هي ترافق النظام الجديد بما تحمل من أوزار ، فما الذي ستقدمه أكثر مما قدمته في الأزمنة الماضية ؟ .
إنهم أهل النظام السابق وأعوانه وخاصته وهم بالفعل يعرفون عن ملفات الرشوة وعن كيف تمت الصفقات وكيف تم نهب المال العام وكل الملفات المشبوهة فلماذا التغاضي والتباطؤ والتلكؤ في الكشف عن كل ذلك في حينه ، ولماذا لا يتم فضحه وقت حدوثه وليس الآن؟ لا شك ان لديهم الإجابة . إن النخبة التي تسكت عن الفساد محاباة لأي كان مهما كانت درجته من المسؤولية هي نخبة فاسدة ، والطبقة السياسية التي تسايرنا في كل الأنظمة إما متمالئة مع المفسدين أو راضية عن الفساد أو مستفيدة منه ، والدليل على ذلك أننا لم نسمع فترة نشوتهم بالحكم أحدا من بينهم تفوه بكلمة واحدة تشير أو تنعت الفساد الذي يرد على ألسنتهم الآن رغم أهمية ذلك ، وإنما نسمع منهم كيل المديح والثناء للسلطة القائمة وتمجيدها.
إذا كانت هذه النخبة فعلاً تريد الخير للبلاد وتسعى من أجله فما الذي يمنعها من أن تقف في وجه الفساد وتكشف اللصوص وأكلة المال العام ؟ .
نحن بحاجة إلى نخبة تقودنا على نهج الاستقامة والنزاهة وتأخذ العبر من الماضي وتنطلق من مرتكزات قوامها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتبتعد عن الرشوة والزبونية والمحسوبية والقبلية والجهوية .
قد نقبل من بعض السياسيين الأوفياء لمبادئهم والذين كانوا خارج السلطة عذرهم . لكن من المستحيل أن نقبل عذر من كانوا جزءا من النظام والسلطة ، لأن سكوتهم غير مبرر، وهو أكبر دليل على تواطئهم مع نهج الفساد الذي أعلنوا عن وجوده بعد صمت طويل . إن هؤلاء ليسوا نخبة كما نتمناها وإنما مرتزقة يستقوون بالأنظمة الفاسدة وينهبون خيرات الشعب دون أن تأخذهم به رأفة وهم متواجدون في الأزمنة وأغلبهم ضالع في فساد الأنظمة المتعاقبة أو متهم على الأقل حتى يثبت العكس . وهم أنفسهم يقودون العهد الجديد الذي ينتظر منه الموريتانيون الكثير الكثير وأقله (تعهداتي) .
فهل سيخيبوا آمال الشعب وتطلعاته لغد أفضل في دولة لا ينقصها إلا أن تحسن تسيير ثرواتها ؟.