وكلمة الإصلاح تريد من خلال هذا التوديع وهذا الترحيب أن ترسل عدة رسائل للمسلمين وخاصة للموريتانيين .
الرسالة الأولى موجهة للمسلمين الذين يؤمنون بالآخرة حق الإيمان ويؤمنون بأنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون .
الرسالة الثانية لأهل الدنيا ولا سيما للموريتانيين الذين انتهوا حالا من تنصيب حزبهم وتسمية هياكله .
الرسالة الثالثة فهي لأهل الدنيا والآخرة ــ لأن الله تارة يخص كل واحدة منهما بما يعنيها وتارة يجمع بينهما في التوجيه وعلى كل حال فقوله تعالى(( ألا إلى الله تصير الأمور )) تفسر الجميع .
فالرسالة الأولى للمسلمين ولاسيما الموريتانيين تنبههم أن هناك مسلمات متفقون عليها جميعا ، وهي أن من مات منا مهما كانت مكانته في الدنيا سواء نظن به صلاح العمل والفكر والعقيدة أو نـنزع منه الجميع أو نعطيه أي منزلة أخروية أو دنيوية عالية في الدنيا أو مبتذلة فيها لا يعود إلينا ليقول لنا ماذا قيل له وماذا أجاب به وهل ما تركنا عليه نحن هو الطريق المستقيم التي نطلب سلوكها في كل ركعة أو انحرفنا عنها قليلا أو نسبيا أو كثيرا .
كما أنه من المسائل المتفق عليها أيضا أن هذا القرآن منزل من عند الله كله للبشرية خاصة فهو غير منزل للملائكة ولا للبهائم أما الجان مع أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إليهم بنص القرآن إلا أن آيات ذلك قـليلة جدا خصتهم بالذكر.
فكل هذا القرآن الآخر بمحكمه الذي هو أكثر القرآن وبمتشابه الذي هو أقل القرآن وبمواعظه وقصصه وذكره لآياته الموجودة أمامنا ووراءنا وخلفنا وعن يميننا وعن شمالنا وبتفنن الآيات التي ذكرنا كيف خلقنا وما هو مصيرنا ولأي شيء خلقنا وخلقه لما حولنا من أرض وسماء وتفنن الآيات في وصف الله وأنه في السماء وفي الأرض يعلم سرنا وجهرنا وتفنن آياته في ذكر ما تشتمل عليه الجنة من نعيم مقيم أبدي وما تشتمل عليه النار من عذاب أليم أبدي لا يخفف عن صاحبه ولا هو يموت (( فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى)) إلى آخر كل ذلك ، وكذلك ما تفننت فيه الآيات بالتفصيل من توجيه الإنسان في الأحكام في جميع ما يصدر عنه من جرائم أو جنح أو أحوال شخصية من ما يعنيه قوله تعالى((وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)) هذا القرآن نحن جميعا ندرك أن أفكارنا ومعاملاتنا وحديثنا إلى آخر حياتنا لا نجعله هو مستندها لا في الأعمال المراد بها الآخرة ولا في أعمال الدنيا ومع ذلك هو يقول لنا (( وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ))، بل من اطلع على إيماننا وإسلامنا أو إحساننا فسيجد أننا عملنا ثنائية لم نجدها في القرآن .
فالمسلم عليه أن يكون إسلامه قرآني لا وراثي ونعنى بالإسلام هنا الدين لأن كلمة الدين هي التي حصرها القرآن في الإسلام كما يقول تعالى(( إن الدين عند الله الإسلام )) وبتعريف الجزء من المسند والمسند إليه وإن شئت قلت المبتدأ والخبر يحصل الحصر العربي في بلاغة القرآن .
فالجميع يدرك أن الدين القرآني حصره الإسلام في نصه وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي حصره في نصه بقوله تعالى(( اليوم أكملت لكم دينكم )) إلى آخر الآية فدين نكرة مضافة إلى ضمير المسلمين فتعم جميع أقسام الدين كما قسمها حديث جبريل بسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعندما وضحهم الرسول صلى الله عليه وسلم ـ التفت على الجالس من الصحابة وأخبرهم بأن السائل جبريل وأن قصده بالأسئلة أمامهم ليعلمهم دينهم والحديث أيضا نكر كلمة الدين وأضافها إلى المسلمين لتعم الجميع فهذا الدين المجمع عليه كمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدين القرآني ـ إلا أننا جعلنا مكانه الدين الوراثي ـ فالإيمان هو العقيدة ورثناها على الإمام الأشعري والإسلام وهو العمل الظاهر باللسان في الشهادتين والصلاة والزكاة إلى آخره ورثناه عن مالك والعبادة وإخلاصها لله ورثناها عن الجنيد .
أما القرآن الآخر وهو ما سيقع في الآخرة من محاورة بين العابد غير الله سواء مع الله أو دون الله وأيا كان المعبود غير الله سواء كان نبيا أو ملكا أو شخصا أو جنا أو حجرا إلى آخره وكذلك ذكر الجنة والنار والقصص إلى آخر ذلك من ما جاء في القرآن ولا يتعلق بالأحكام الشرعية كل ذلك نحن أهملنا النظر فيه والتأثر به ولا نقوم به إلا حفظا في صدورنا أو مصاحفنا مع أن القرآن يقول لنا أن القرآن كله نور يقول تعالى(( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)) ويقول ((ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا))
(( واتبعوا النور الذي أنزل معه )) .
وهنا نسأل الموريتانيين هل يجدون هذا النور مجسما في قلوبهم عندما يسمعون القرآن يتـلى، فالنور موجود ولكن بشرط التلقي له أنه جاء من عند الخالق لهذا الكون فعندئذ ((تقشعر منه جلود الذي يخشون ربهم )) إلى آخر الآية وبشرط كذلك أن يكون المصدر الإيمان بالقرآن أي أن يكون مصدر التأثر منه بالذات ولا سيما العقائد وإخلاص العبادة لله ـ فعبادتنا لابد أن تكون إما فكرا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن يكون أصلها ((قـل أني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين )) وإما أن تكون عقيدة فتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان بعد سؤال جبريل أن تؤمن بالله وملائكته إلى آخر الحديث وأن تؤمن خطاب لكل إنسان بمفرده لا أن يؤمن المسلم مثل إيمان شخص آخر لأن الإيمان في القـلب لا يطلع عليه إلا الله .
أما تعلق الإيمان بذات الله وأسمائه وصفاته فمعناها واضح في اللغة العربية وهو المطلوب لا يحتاج إلى تأويل فمثلا قوله تعالى ((وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون )) معنى هذه الآية واضح ونحن نؤمن بفحواه .
أما قضية عمل الجوارح من صلاة وصوم وزكاة وحج إلى آخره فما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة فمعلوم أنه هو مكان اجتهاد العلماء وأحسنهم اجتهادا في هذا الصدد ـ لاشك أنه عندنا نحن المغاربة هو اجتهاد الإمام مالك الذي لخصته كتب الفقه عندنا .
وملخص هذه الرسالة أن علينا أن نكون مسلمين قرآنيين لا مسلمين وارثيـين .
وقبل أن يحرف أي أحد وجهة النظر هذه ويفكر في تصنيف الفكرة إلى شيء من الأفكار المتطرفة فأنا أومن بأن الله قال(( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) وأن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة إلى آخر الحديث .
هذه باختصار الرسالة الأولى لمن يؤمن بلقاء الله عند موته .
أما رسالة أهل الدنيا : فهي موجهة لكل المؤتمرين المناديب من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية رجالا ونساءا لتبليغهم بأنهم هلكوا وأهلكوا موريتانيا بهذا التسابق إلى الحزب الحاكم فالأحزاب ليست فيها المادة أما العمل في السياسة وحدها بالمشاركة في كل نشاط سياسي في الدولة فهذا في جميع الأحزاب .
فالجميع يعلم أن جميع من يتحرك الآن في السياسة هم من أبناء حكم العسكر ومن طبيعة العسكري أن أمره مطاع من غير نقاش وهو بدوره يستجيب بسرعة لكل طلب غير ملتـفت في ذلك لا إلى القوانين ولا إلى النظام العام واستطيع أن أقول لا إلى أي شيء سوى رضى السائل .
وهذه المفاعلة هي ما أفسد به المدنيون موريتانيا في حكم العسكر فالمصفقون بأيديهم وألسنتهم لا يريدون إلا المادة لهم ولذويهم إلى آخره .
فلو كانت الحكومة الحالية أمرت مفتشين لزمن الأحكام العسكرية من98 بداية الديمقراطية العسكرية الفوضوية لوجدوا غالبية الموظفين في جميع المسابقات أو التعيينات هي تخص تدخل أو وساطة مدني قربة أحد العسكريين في الانتخابات ولا سيما في العشرية السابقة .
وعند الوزراء الأول ووزراءهم ونواب الحزب الحاكم الخبر المفصل عن ذلك وبذلك فسدت موريتانيا حكما شعبيا وضاعت وجاعت إلى آخره فاتقوا الله أيها الرجال والنساء المنخرطون في الحزب الحاكم فاتركوا أهل الشهادات الذين لا يجدون وساطة أن ينالوا حقهم من هذه الدولة .
أما الرسالة الثالثة لأهل الدنيا والآخرة : فعلى المسلمين أن يعلموا أن ربط حسن المآب في الآخرة بحسن العمل في الدنيا ، فالله يقول (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله )) فلو كان القرآن ينزل الآن لقال لا تلهيهم رئاسة ولا وزارة ولا نيابة عن ذكر الله ولكن القرآن نزل في زمن اقتصار الكسب في التجارة والبيع .
ولكن من المؤسف أنك إذا حضرت الصلاة في مساجد المكاتب ترى معنى الأحاديث الصحيحة مجسمة كما قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف ـ ألا أخبركم بأهل النار كل عـتل جواظ إلى آخر الحديث المتفق عليه والحديث الآخر تفاخرت الجنة والنار حيث قالت النار أن فيها الجبارين والمتكبرين وقالت الجنة أن فيها المستضعفين فقضى الله بينهما أنهما من خلق الله فالجنة يرحم بها من يشاء من عباده وأما النار فيعذب بها من يشاء من عباده وأن عليه ملؤهما (الرواية بالمعنى) أما الحديث الثالث في الموضوع فالرجلان الذي مر الأول منهما أمام الرسول وهو تظهر عليه الأبهة والعظمة فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الحاضرين ما يقول فيه فقال هذا من أشراف الناس حري به إذا قال أن يسمع كلامه وإذا خطب أن ينكح وعندما مر الثاني وسئـل عنه فقال الحاضر هذا رجل من ضعفاء المسلمين وعكس ما قاله في الأول فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملء الأرض من الأول (بالمعنى أيضا) .
فمن زار مساجد المكاتب يجد البوابين والسائقين وسقاة الشاي الخ هم المؤذنون والمصلون والأئمة والقارئون للحديث بعد الصلاة أما الآخرون ففي المكاتب تحت مبردات الدنيا يتفكهون مع الأصدقاء إلى آخره.
والآن حان أن نقول للحكم الجديد كل شيء في هذه الدولة يحتاج إلى الإصلاح وهذه الرسائل الثلاثة عناوين فقط فالله يقول (( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) .