تعيش أمتنا الإسلامية عموما والعربية منها خصوصا حالة من الترهل والتخاذل والتخلف عن ركب الحضارة تشيب لها الولدان .
وهي بذلك تجسد ما أنذر به الصادق المصدوق (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير !!!!!! ولكنكم غثاء كغثاء السيل ).
لقد باتت أوطان الإسلام مستباحة وشعوبه مضطهدة في أوطانها أو حيث هي أقليات في بلاد أخرى وبات الإسلام سبة ،[الإسلام فوبيا : دين الخوف] ووصمة عار بين شعوب الأرض هكذا أراد ودبر له خصومه وهكذا عمل عملاؤهم من حكام المسلمين على تحقيق مآربهم حتى أصبح هؤلاء أشد عداوة للإسلام وفتكا بالمسلمين من سادتهم ، فإلى متى ؟ إلى متى والأمة تتخبط في هذا التيه المدمر أما كفي نوما وتخلفا عن الركب؟ أما كفي ذلا وهوانا واضطهادا؟ ألم يقل أحدهم والحق ما شهدت به الأعداء ـ أن أمة الإسلام تمرض ولكنها لا تموت تغفو ولكنها لا تنام .
لقد استشرى المرض وطالت الغفوة فإلى متى تصحو أو تصح؟ لعل في تلك الهبات الجماهيرية الشعبية العفوية السلمية الجارفة التي عمت ربوع البلاد العربية أو كادت في بواكير العقد الثاني من هذا القرن ولا تزال والتي ذهبت بحكام عتاة وقدت مضاجع آخرين ليسوا أقل شأنا وأذهلت زعماء دوليين، لعل في هذه الهبة ما يبعث الأمل في النفوس ويدعو إلى الاعتقاد بأنه لا تزال تحت الرماد جذوة نار يوشك أن يكون لها ضرام .
لقد سقط في أيدي القيادة الفرنسية لِـما رأت من سرعة سقوط(بن علي) في تونس وسرعة انهيار حكمه فأنب ساركوزي خارجيته واتهمها بضعف الاستشعار ولذلك بادر إلى نصرة الثورة على القذافي تكفيرا عن غفلته في حال تونس وهو الذي كان قد سمح لملك الملوك ببناء خيمته في قصر الأليزا في آخر زيارة له إلى فرنسا ، وقد راوغ الرئيس الأمريكي أوباما كثيرا في التعاطي مع الثورة المصرية وأوفد وزيرة خارجيته لدعم الرئيس مبارك لكن سبق السيف العذل: نجحت الثورة وسقط مبارك فما كان منه عندئذ إلا أن بادر بزيارة مصر وأشاد بثورتها وبشعبها وحضارتها وتاريخها في خطبة شاعرية قل نظيرها في مشهد كهذا وهرعت إسرائيل للبحث عمن عساه أن يكون وسيطا مقبولا لدى السلطات المصرية الجديدة لعل وعسى أن يحقق لها الإبقاء على اتفاقية كامديفد سارية .
وهذا يوسف الشاهد رئيس الوزراء التونسي يوفده الرئيس السابق قائد السبسي إلى فرنسا فيستقبله مجرد وزيرة في الحكومة الفرنسية ويعود أدراجه دون أن يقابل الرئيس ولا رئيس الوزراء ثم يوفده الرئيس الجديد قيس سعيد بعد انتخابه انتخابا شفافا في مهمة مماثلة فيستقبله رئيس الجمهورية نفسه .
نعم إن هؤلاء يؤمنون بإرادة الشعوب ويحترمونها متى أيقنوا أنها باتت حقيقة معيشة وواقعا حيا ماثلا للعيان .
أما أغلب حكام أمتنا العربية من ملوك وأمراء وأشباه الملوك والأمراء من طغاة وجبابرة فيحيلك سلوكهم في الحكم إلى الآية الكريمة (( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون )) ((إلا من رحم ربك)) ((وقـليل ما هم)) بيد أن العبرة ليست بلـقب الحاكم بقدر ما هي بنمط سلوكه في الحكم وتعاطيه مع الرعية ومصالحها .
لا جرم أنما تعـتمل به الساحة من غليان هو نتاج تراكمات ثقيلة من الظلم والاضطهاد تحملتها شعوب المنطقة طويلا حتى " ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم " لذا باتت أي شرارة تقدح من شأنها أن تؤجج المنطقة العربية بأسرها وهو ما حصل مع مأساة البوعزيزي في تونس حيث انتفض الشعب التونسي عن بكرة أبيه انتفاضة سلمية غير مسبوقة ولم يهدأ له بال حتى تخلص من (بن علي) جهارا نهارا على رؤوس الأشهاد دون أن يكلفهم الأمر إطلاق رصاصة . وهكذا اندلعت الثورات في معظم الأقطار العربية ولم يفلح في التعاطي مع هذه الثورات من حكام العرب سوى العاهل المغربي الذي كان حقيقة على مستوى الحدث حيث أفسح المجال أمام شعبه في اختياراته فكسب بذلك حسن الثناء والاستقرار .
أما الذين حاولوا الوقوف في وجه إرادة شعوبهم فقد جرفهم الموج وسلح عليهم التاريخ فمنهم من تخطفه الموت ومنهم من نبذته الأحداث وراء ظهرها كما هي حال مبارك والقذافي وصالح والبشير وبتـفليقة لاحقا ولا يزال الحراك الجزائري السلمي على أشده في سبيل تطهير البلاد من رواسب الدولة العميقة على حد زعمهم وربما القائد صالح أو صنيعته وها هي العراق ولبنان تسابقان الزمن في سبيل اللحاق بالركب بينما احتمى الأسد بروسيا وإيران لكن النتائج كانت كارثية: حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ودولة فاشلة ممزقة الأوصال تتقاذفها القوى الإقليمية والدولية مهددة بالتقسيم الأبدي إلى دويلات . ناهيك لِـما يحدث في اليمن من إبادة جماعية وحرب غبية عبثية أهلكت الحرث والنسل والتهمت الأخضر واليابس ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى نهايتها .
هذا الواقع المتفجر المزري هو ما رأت فيه "انكلا ماركل" سانحة للتطاول على أمتنا بقولها : ما بال المسلمين؟ الهند والصين لديهم أكثر من 150 ربا و800 عقيدة مختلفة ويعيشون بسلام مع بعض بينما المسلمون لديهم رب واحد وكتاب واحد ونبي واحد ورغم ذلك فإن شوارعهم تنزف بدماء شعوبهم القاتل يصرخ الله أكبر والمقتول يصرخ الله أكبر .
بربكم هل هذا وضع يليق بأمة العرب مهبط الوحي ومهد الإسلام؟ الأدهي من ذلك والأمر أن الثورة المضادة هذه التي تـنخر جسم الأمة وتنهك قواها ما عادت تمول ولا تدار من طرف الاستعمار بل بات من بين حكام العرب الأثرياء من هو أكثر تورطا فيها وتشبثا بها ،أليس محمد بن زايد هو الذي مول الثورة المضادة في مصر بسخاء؟ أليس هو وابن سلمان هما اللذان يدعمان السيسي في مصر دونما أدنى حرج؟ أليس هؤلاء الثلاثة هم من يروج لما يعرف بصفقة القرن ؟ أليسوا ثلاثتهم هم الذين يخوضون الحرب ضد الشرعية في ليبيا؟ هل يجسد هؤلاء إرادة شعوبهم وشعوب المنطقة بهذه المواقف العدوانية؟ من من دول المغرب العربي يأمن غدر هؤلاء ؟ أليست لهؤلاء مشاكل مع المغرب ذات صلة؟ هل نحن في مأمن من بأسهم ؟ إنهم يتوجسون المخاطر من الديمقراطية حيث هي في بلاد عربية أو إسلامية ، أليست موريتانيا وتونس تعيشان حالة من الانفتاح الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة وحالة من الإجماع الوطني يغيظ هؤلاء؟ من أدرانا أن التطورات السياسية الأخيرة بريئة ؟ من مول وسلح حفتر في ليبيا بوسعه أن يمول ويسلح أي حفتر آخر يأنس منه القدرة على إخضاع شعب ما وإلحاق الأذي به. ألا ترون إرهاصات ذلك في تونس فما سلوك النائبة البرلمانية عـبير موسى وفريقها في البرلمان التونسي إلا مظهر آخر من مظاهر الحفترية وقد لا يعدمون حفترا آخر حيث طلبوه .