هل أصبح المجتمع الموريتاني يعيش بلا هدف في الحياة؟! / المرابط ولد محمد لخديم

حين يولد الواحد منا يجد في بيئته الثقافية فُيوضا من المقولات الشعبية والأعراف والتقاليد، كما يجد نظاما رمزيا كاملا، وانتماء دنيويا وعرفيا ولغويا، ويجد إلى جانب كل ذلك أسلوبا مميزا للعيش والتفاهم، وإدارة الأزمات، وخبرات وعلوما متناقلة...

  وذلك كله منحدر من الماضي البعيد والقريب. والبيئة الثقافية لكل ما تحويه، تسوق طريقتنا في التفكير، وتحدد أطر مشاعرنا واتجاهات عواطفنا، وآفاق طموحاتنا وآمالنا، كما تحدد

المحكمات والأعراف التربوية التي تتم تنشئة الصغار بها وعليها.

  إن مما أضر بفهمنا لمسألة نسبية الصواب والخطأ في الأفكار أننا كثيرا ما ننزع الرأي من إطاره البنيوي وبيئته الثقافية والاجتماعية فيبدوا وكأنه يستمد صوابه من ذاته وقدرته على الإقناع، واقتناع الناس به. وهذا حرمنا من فهم المرتكزات العميقة له، ومن فهم البرمجة الثقافية التي وفرها المجتمع لصاحبه. وجعله أسيرا لها..

   فكثير من الناس يتصورون على أنهم غير قادرين على فعل شيء أو ترك بصمة في حياتهم....

    فتراهم يعملون جاهدين لجمع المال بطرق مشروعة أو غير مشروعة ..معتقدين أن ذالك سيحقق بعض السعادة والأمان غير آبهين بالعقليات المادية المتوحشة ، وسرعان ما يداهمهم المرض والموت ويرحلون عن هذا العالم تاركين ثرواتهم التي وصلت الى ماوراء البحار..

- ولنأخذ مثلا واقع مجتمعنا الحالي فمن الملاحظ: أن الطابع الذي يطبع الجو العام هو غلبة الهوى، الذي جاءت الشرائع لتخرج المكلف من دواعيه إلى الدينونة لله في كل الأمور، وإسلام الوجهة إليه بالكلية، قال ابن عاصم:

القصد بالتكليف صرف الخلق @@ عن دعوات النفس نحو الحق.

ومن هذا التعريف نرصد النقاط التالية:

1ـ تشوفنا إلى استهلاك أحدث منتجات العصر وهذا التشوف من غير حدود، ولا يعرف الإرتواء، فنحن بهذا الوصف أكثر حداثة من المنتجين للسلع والأدوات الكمالية أنفسهم.

2ـ علو شؤون الجسد، وإتساع استخدماته على حساب شؤون الروح والمعنى.

3ـ تضاؤل الحوار والتفاهم والتنازل، وغلبة الهوى والإعجاب بالرأي.

4ـ جمع المال لدى كثير من الناس أصبح غاية في حد ذاته بعد أن كان أداة لقضاء الحوائج والاستغناء عن الناس والاستعانة على طاعة الله تعالى وأضحى الناس اليوم لا يعرفون ماذا يصنعون بما يكد سون من أموال. والغرابة أن هذه الأموال يستخدمها الآخر في إنشاء شركات تعود بالريع للوطن والمواطن في ؤحين نستخدمها نحن في الاستجمام أو التفاخر المناسبات الاجتماعية  فعقليتنا البدوية لا تؤمن بالاستمرارية والعمل للمستقبل!! و

5ـ الحكم لغريزة القوة ،وليس لعقلانية النظام والمنطق والحق والعدل، فالبطولة خارج القانون تتعمق في الحياة يوما بعد يوم.

6ـ وسائل الإعلام ـ ولاسيما الفضائيات  والانترنت ـ تحرك غريزة الجنس وتحطم كل الآداب المرعية في هذا المقام، مما جعل سلوك بعض الناس ـ من كبار وصغار- يتجاوز بخطوات السلوك الجنسي لبعض البهائم.

  وهذا يظهر أن الأمور غير المهمة تحتل المقام الأول في حياتهم، والمشاغل التي لا تنتهي تسلبهم وقتهم وتستعبدهم.  فقد أصبحوا من السطحية عاجزين عن فهم الحياة بصورة طبيعية.

     فالتقدم الجارف لـ"التقنيات الرائدة" يمارس سحراً رهيباً على الأجيال الجديدة. وإنَّا لنشهد تمجيداً للفتوحات المادية وللسرعة...

   حيث أنتجت تحولا نوعيا بطيئا تمثل في بروز مشاكل متعلقة بالحياة الخاصة، مشاكل حول الحياة الشخصية المستقلة مست بالأساس الطبقة المتوسطة والعمالية، ويتعلق الأمر بتطوير ظاهرة جديدة داخل الحياة الشخصية، إنها فردنه الوجود الإنساني. حسب تعبير ادخارمور مضيفا أن خاصية الثقافة الجماهيرية تتمثل في كونها ستوفر للفئات الاجتماعية الصاعدة (طبقة متوسطة)، شباب، نساء، صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها: الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة...الخ). وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا و يمكن أن نلخص هذا الطرح  في معادلة أحد طرفيها البطن والفرج والآخر العقل والقلب وتكون المعادلة على الشكل التالي:

العقل+القلب = البطن+الفرج.

 وعليه يتحدد تعقلنا للأشياء حسب تفعيل طرفي المعادلة بالنسبة للطرف الآخر. وتفسير ذالك أن الإنسان فيه غرائز دنيا تشده إلى تحت؟ وخصائص كريمة تدفعه إلى فوق؟ فإذا كانت هذه الخصائص أشد قوة ذهبت بالإنسان صعدا إلى آفاق الحق والخير والجمال. وإذا كانت مساوية لغريمتها ذهب السالب في الموجب وبقى المرء موضعه. وإذا كانت أضعف منها أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلم تراه إلى مبطلا شريرا دميم الروح. والذي أقصده أن تحصيل الكمال تحتاج إلى معاناة علمية وخلقية...فالكريم لن يكون كريما إلا إذا قهر نوازع الشح. والشجاع لا يكون شجاعا، إلا إذا هزم بواعث الخوف...

 ولقد تجسدت هذه الصور في مجتمعنا البدوي الذي يهرب من التفكير سواء بانغماسه في الملذات ، أو تكييفه لهذه العادات الوافدة مع عقله الجمعي. فهل "اُجْتَثوا من جذورهم" من غير ان يعلموا؟

   ليس سرا أننا مازلنا نعيش حياة  " لفريگ"  الذي تسعه "أطناب الخيمة" في وجداننا وان اختلفت الخيام شكليا من الشعر والوبر الى الاسمنت..

  ونسينا أو تناسينا أننا في الوقت نفسه لبنة من مكونات القرية الكونية العالمية وأن ما يحدث في تلك الأمم المتحضرة أو المتوحشة يؤثر فينا شئنا أم أبينا..

  أيعقل أن ترى فئات من مجتمعنا وهي تقلد الموضة في باريس أو لندن أو هونغ كونغ أو  مادريد؟؟!..

   ناهيك عن الانتصار لفرق رياضية مثل:ريال مادريد أوبرسلونا.. أوفرق موسقية معينة..!!

  وهذا كون لدى أبنائنا عقلية مشابهة للعقلية الأوروبية في مفاهيمها وأفكارها ونظرتها إلى الحياة, لأن الباب الوحيد للعلم والتثقيف هو ذالك الذي يفضى إلى هذه الثقافة, التي تلقن في المدارس المنشأة من طرف الحكومات في البلاد العربية والإسلامية على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية, من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحياة العملية المختلفة.

    وبعودة مبرمجة الى ماحقق الأجداد من نتائج نرى أن هؤلاء الآباء كانوا يعيشون لهدف معين وكانوا يعون مفهوم الحياة ويعملون على ذالك الأساس فكل واحد منهم عندما يبلغ سن الرشد يعرف تمام المعرفة أن له رسالة في هذه الحياة يجب أن يحققها قبل وفاته ولذالك كانت مجالسهم مجالس فكر ومعرفة وتحصيل...

   فقد ظلوا يراسلون نظراءهم في البلاد العربية ويسألونهم عن نوادر المخطوطات وأماكن وجودها ،فكانوا يطلبون المخطوطات من السلاطين والملوك ويسافرون إليهم من أجل الحصول عليها. وانتشر نساخ المخطوطات الذين هم بمثابة دور للنشر وتنافسوا في استنساخ المخطوطات وجلب نوادرها، فكان ذلك ضمانة لبقاء هذه المخطوطات ونشرها في زمن لم تظهر فيه وسائل الطباعة الحديثة. ولكن لماظهرت وسائل الطباعة في عصرنا الحالي وأصبحت في متناول الشناقطة الجدد لا نراهم اهتموا بها فلا توجد دار للنشر وبدون هدف في الحياة نشعر بأن الوقت يضيع وحياتنا تضيع معه......

   الوجود كله مادة خاما لا عمل فيها، فهو ضرورة لا وجود فيه للحرية. لأن هذا الوجود بلغ بحركته أقصى الحرية حين بلغ القيد..
   ونحرر منه على مقدار ما نقول ونفعل، أي على مقدار ما نعمل، ونعمل على مقدار ما نعي من حركة الجدل فيه...

  وكل شيء لا تعمله أنت بيديك فهو ضرورة، ولو نظرت إلى كل الموجودات المصنعة على أنها ضرورة، وأن ما تحرره منها خالصا لك يكون مناسبا مع مقدار عمل ووعيك لحركة الجدل فإن نظرتك هذه من صميم هويتك الإنسانية....
  الحرية قيدها العمل، والعمل قيده الحرية، وليس لأحدهما وجود مستقل بذاته، فهناك تحرر العامل. وعمل المتحرر.. والأصل في قيد الحرية هذا أن الطبيعة ضرورة، وكل ما فيها يجري على منهج. ولا سبيل لتسخيره لنا إلا بالعمل.....

    فهل سنعتمد على تراثنا ونتفهم ما فيه ونحسن التعامل معه، ليس بحثا فقط وإنما تطبيقا وتجسيدا لننشأ حداثة مبنية على أصالة، ومعاصرة مبني على تراث؟!.

    قبل أن تجرفنا الحضارة الغربية، بوسائطها المختلفة، لنعيش بعد ذلك نوعا من الضياع، بدأت تتكشف بوادره في العقد الأخير!!

  أم أننا وصلنا إلى مرحلة من الوهن والعزوف عن التحصيل المعرفي لما يتطلبه من جهود مضنية مكتفين بالاجتهادات والفتاوى الجاهزة المأخوذة عن الأجداد رغم تغير الزمان والمكان وما ينجر عن هذا التغير في الوسائل والأحوال..؟!

 إن كثيرا من الأخطاء والخطايا التي نقع فيها، ليس مصدرها الجهل، وإنما مصدرها الهوى   والرغبة في تحقيق المصالح الخاصة، مما يعنى أن تكرارها هو المتوقع، نظر لديمومة أسبابها. والذي يساعد على التخفيف من تكرارها، هو الاستمرار في نقدها بشتى الوسائل وشتى الطرق، فالأخطاء. لا تتبدى دائما للعيان، ولا تتلبس بلبوس واحد، مما يعنى ضرورة الاستمرار في كشفها ومواجهتها.

    فالحياة  مشهد كبير متغير ومختلف الألوان لصنوف لا تقع تحت الحصر. ما من شيئين اثنين لهما نفس الشبه والمواصفات. حياة كل إنسان فريدة. كل واحد له أهداف معينة، ورغبات مختلفة..تبدأ ببلوغه سن الرشد وتنتهي بمماته.

     فما من عمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض.

      هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟!

      لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علينا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة!!

    فكيف ولله حفظه يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل...

 قال تعالي{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.سورة ق الآية: 18.  ويقول عز وجل

 ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ الكهف الآية:49 ,

  أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟!

  أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟

   الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم.

وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها لمنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين﴾ .سورة التوبة آية 126

  وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم" الترمذي.

  وقوله: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" المنذري.

   وقد كتب هؤلاء العلماء فصولا مطولة في المراقبة والمحاسبة يمكن الرجوع إليها.

   ويرى ابن المقفع أن يسجل الإنسان ما يصدر عنه جاعلا الصفحة اليمنى للحسنات واليسرى للسيئات.

   وإن كان "رديل كارنيحي" يذهب إلى تدوين السيئات فحسب على أساس أن المرء يعنيه تلافي أخطائه، والنجاة مستقبلا مما وقع فيه آنفا.

  قال: في أحد أدراج مكتبي ملف خاص مكتوب عليه " حماقات ارتكبتها"!!

 وأنا أعد هذا الملف سجلا وافيا للأخطاء التي وقعت فيها، وبعض هذه الأخطاء أمليته، والبعض الآخر خجلت من إملائه فكتبته بنفسي.

ولو أنني كتب أمينا مع نفسي لكان الأرجح أن يمتلئ مكتبي بأمثال هذه الملفات المليئة بالأخطاء والحماقات!!

 وعندما استخرج سجل أخطائي، وأعيد قراءة الانتقادات التي وجهتها لنفسي، أحس أنني قادر على مواجهة أقسى وأعصى المشكلات مستعينا بعبر الماضي الذي دونته لقد اعتدت أن ألقي على الناس تبعة ما أواجه من مشكلات لكن بعد أن تقدمت في السن وازدادت حكمتي -فيما أخال- أدركت أنني وحدي المسؤول عن ما أصابني من سوء، وفي ظني أن كثيرا من الناس يصلون إلى هذه النتيجة نفسها عند ما يدرسون أنفسهم.

ولقد قال نابليون في منفاه بجزيرة القديسة "هيلانة": لا أحد سواي مسؤول عن هزيمتي. لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!!)).

ولتفسير أكثر لمسألة: " المحاسبة" نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية. وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية ..

    أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي مثل فاتورة الهاتف التي يعطيك البريد بعد تهربك من الدفع فان سجل كامل لتلك المكالمات يعرض أمامك ولا يسعك أن تتهرب منه وما يقال عن الكلام يصدق على أعمالك سواء في الظلام أم في النور..

   ان المجتمع بكل أطيافه يبذل جهودا ضخمة للتنفير من الجرائم, عن طريق االترغيب والتخويف بالحساب والعقاب والجنة والنار..ولكن النسبة المرتفعة للجرائم المتزايدة يوما بعد يوم تدل على أن مايقوله أولائك الفقهاء والحكماء ليس رادعا,حتى يمنع المخالفين من القيام بجرائهم.. فما أكثر ماقيل في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أن تقديم الرشوة وقبولها وان استغلال الوسائل الحكومية لصالح الأغراض الفردية خيانة وكبيرة لا تغتفر ولكن الوقائع غير ذالك فأنت تشاهد الرشوة تمضي في طريقها على قدم وساق ..والمشروعات الكبرى في تحقيق أهدافها لأن النسبة الكبرى من الميزانية المقررة تأخذ طريقها الي جيوب المسؤليين القائمين بأمر هذه المشروعات,بدلا من انفاقها في مكانها الصحيح.

   وهكذا اختفت المعايير والقيم من الحياة رغم كل الجهود التي بذلت من جانب المصلحين والفقهاء والزعماء, وباءت كل الوسائل التى استخدموها بالفشل الذريع..

  وهذا ما سيكون وازعا في المجتمع يمنع الناس من ارتكاب الجرائم,لأن الرشاوي ,والمحسوبيات, وخدمات المحامين البارعين, وشهود الزور كل هذه العوامل تكفي لحماية المجرم من أية شرطة أومحكمة انسانية, والمجرم لايرهب عقابا, لو استطاع أن يفلت من أيدي القانون.

( ان الشرع الالهي يستوفي كل هذه الأمور, فعقيدة الآخرة التى يحملها الشرع الالهي, هي خير وازع من ارتكاب الجرائم, وهي تكفي لتبقي احساسا بالجريمةواللوم يعتمل في قرارة ضمير الانسان, لو أدلى بشهادة كاذبة أمام القاضي .

  والوازع الذي يمنع من ارتكاب الجرائم ليس هو الدين في حد ذاته, فانه لايقدم لنا تشريعا فحسب, وانما يخبرنا أن صاحب هذا التشريع يشاهد كل أعمالنا من خير وشر كما تقدم آنفا...

   فنياتنا وأقوالنا وحركاتنا بأكملها تسجل بواسطة أجهزة هذا المشروع, ولسوف نقف بعد الممات أمامه,ولن نستطيع أن نفرض ستارا على أدق أعمالنا.

 ولو أننا استطعنا الهروب من عقاب محكمة الدنيا, فلن نتمكن بالتأكيد من أن نفلت من عقاب صاحب التشريع السماوي). 

   {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} (14)  الاسراء: الآية:13:14

  الكهف الآية:49 , الكهف الآية:49 ,   فأنت أمام عدسات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، ويهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة  وشفافية، وبذلك يطبع بطابع المدنية التي هي روح يسري في كيان الفرد، فيعطيه طابعا خاصا يلمسه الناس في كل شؤونه: في طريقة كلامه، وعباراته المنتقاة، وفي طريقة استماعه وتناوله لفرصة التحدث، وفي كيفية قيادته لسيارته، وفي كيفية تنبيهه للمخطئ، وفي طريقة حصوله على حقه، وحله مشكلاته، بالطرق السليمة إذ أن من أهم سمات الإنسان المتمدن أن يبحث باستمرار عن طرق مشروعة وغير عنيفة لتجاوز التعارض بين مصالحه ومصالح الآخرين.

    ولهذا فإن الإسلام يؤكد دائما على تمدين الإنسان قبل تشييد العمران لأن الإنسان غير المتمدن لا يعجز عن استثمار الإمكانات الحضارية وحسب وإنما يعجز عن المحافظة على الموجود منها.

    والإسلام علم الناس ألا يرفعوا أصواتهم، وأن يغضوا من أبصارهم، وألا يلجوا البيوت دون استئذان، وأن يتفسحوا في المجالس، كما علمهم الرفق والصفح والإيثار..

    وفي الصلاة والتي هي موقف روحي خاص يتعلم المسلمون الدقة والنظام والالتزام بحركات الإمام... وليس كما هو مشاهد اليوم إذ أصبحت طقوسا تؤدي في أزمنة معينة بدون أدنى تفكير مما أفقدها لروحها المدنية والروحية..

    والمدنية تهذيب للأخلاق والسلوك، حيث يرتقي إحساس المرء بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة وشفافية، وهو بذلك قادر على ضبط سلوكه ونزواته، والوقوف عند الحدود التي تبدأ عندها حقوق الآخرين.

  وهي أيضا أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره قولا وعملا واعتقادا وسلوكا وفي هذه الحالة سيشعر بأنه مراقب من خالقه وهذا ما يؤدي به إلى الجد والإخلاص .

  فمتى ستتحقق هذه الخاصية في مجتمعنا ليشعر بأهمية الحياة؟! أم أنه سيبقى بلا هدف في الحياة!! 

الهوامش

*محمد الغزالي:ركائز الإيمان بيت العقل والنقل, دار لقلم دمشق, ط,4 ,1420ها 1999

*محمد الغزالي : جدد حياتك, دار القلم: دمشق , الطبعة 15، 2003 م

* وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.

*عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 1421 ها ـ 2000 م

 * معرفة الله:دلائل الحقائق القرآنية والكونية:تصدير الأستاذ الجليل حمدا ولد التاه, تقديم الدكتور حسين عمر حمادة رئيس قسم البحوث والدراسات بااتحاد الكتاب العرب فرع دمشق,الطبعة الأولى دار الوثائق دمشق سنة 2001م الطبعة الثانية دار وحي القلم بيروت لبنان سنة 2002م وهو الحاصل على جائزة شنقيط للدراسات الاسلامية سنة 2003م.

 

  * دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.Bas du formulaire

 

 

9. يناير 2020 - 17:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا