لجنة المساجد والمحاظر واسطة عقد العمل الإسلامي الطوعي الجاد  في بلدنا / الطيب ولد سيد أحمد  

لجنة المساجد والمحاظر جمعية غير حكومية تعنى بمساعدة القائمين على المساجد والمحاظر في مختلف مشاغلهم من ترخيص وبناء ودعم وتوفير رواتب شهرية للأئمة وشيوخ المحاظر وإعاشة طلاب العلم فيها ابتغاء المثوبة عند الله لا تنتظر من وراء هذا العمل جزاء ولا شكورا من غيره .

    تم إطلاق هذه الجمعية أولا على شكل مبادرة أواخر عقد السبعينات على أيدي بضعة محسنين من رجال الأعمال الموريتانيين استشعروا حاجة البلد الماسة يومها إلى تضافر جهود مخلصة من أجل التأسيس لعمل إسلامي طوعي ملتزم يعالج بأناة وروية وحكمة حالة الغربة التي يعيشها الإسلام ولغته في الوسط الحضري للدولة الموريتانية الناشئة الحديثة عهد بالاستعمار يومئذ .

     ومعلوم أن الدولة الموريتانية نالت استقلالها بتاريخ28/11/1960 في ظروف استثنائية بكل المقاييس: غياب شامل لأي بنى تحتية ـ انعدام الكادر البشري المؤهل ـ القطيعة الحادة بين المواطن والدولة باعتبارها امتدادا لسلطة المستعمر الكافر ـ افتقار السلطة الناشئة الحاد لحماية ومساعدة المستعمر ـ غرابة اللغة الرسمية للدولة ـ النموذج السائد للدولة الحديثة القائم على الفصل بين الدين والدولة ....

    كل هذه العوامل وغيرها مجتمعة كانت على حساب تمثيل المسجد والمحظرة  في المدنية الناشئة وعاصمتها نواكشوط ،فقد اكتفت السلطة ببناء الجامع العتيق في انواكشوط فقط أما غيره من المساجد على محدويته فكان بجهود أهلية وأما المحاظر فلا قبل للدولة بها وهي الغارقة في وحل توفير مستلزمات المدرسة النظامية إذ هي التي عليها المعول في إعداد الكادر البشري ورجال دولة الغد في ذهنية القائمين عليها يومئذ علما بأن الطواقم التربوية يومها في معظمها أجنبية ضمن بعثات تعاون فنية لكل منها خلفيته العقدية وهويته الحضارية الأمر الذي أتخم الساحة المدرسية بفكر أمشاج من القومية والشيوعية والليبرالية والعلمانية والمجونية .... وفعلا كان من بين هذه الطواقم مواطنون تخرجوا في المحاظر ولجوا التعليم عن طريق المسابقات المباشرة أو عن طريق معهد (يتلميت) على خلفيات عـلمية متفاوتة ثم ترقوا في درجات التعليم لاحقا وكان لهم دورهم البارز في ساحات التعليم ومن خلال التفاعل العلمي والفكري والثقافي والدعوى في الأوساط الحضرية كما أن من بين المواطنين المثقفين ثقافة أجنبية من لهم غيرة على الهوية الوطنية وتشبث بالإسلام وقيمه وشعور راسخ بخطورة التبعية للمستعمر مهما أبدى من تعاطف وحسن نية ومهما يكن من افتقار إلى التعاون معه .

    في هذا الخضم المعتم المتلاطم وما يفرزه من مظاهر مستفزة للمشاعر الإسلامية أحيانا وما ترعرع فيه من أجيال تائهة تنذر بما لا تحمد عقباه ظهرت لجنة المساجد والمحاظر وكأنما هي على موعد مع نخبة المثقفين تلك المتطلعة إلى رفع التحدي وهذه اللجنة ـ كما أسلفنا ـ تتألف من بضعة محسنين من رجال الأعمال الموريتانيين أخذوا إلتزاما جازما على أنفسهم بدعم رسالة المسجد والمحظرة ما وسعهم الجهد حيث عملوا ـ حسب خطة عملية هادفة ـ على أن تكون لكل مسجد محظرة وأن يكون إمام المسجد هو شيخ محظرته إن أمكن وإلا عملوا على توفير شيخ مناسب لها على حسابهم وهكذا سعوا إلى تعميم التجربة على مساجد انواكشوط مستعينين بالخيرين من أهالي المدينة حيث ظفروا بهم ثم أخذوا يتوسعون في أعمال الخير حيث وجدوا سائحة وهكذا التحمت وتكاملت جهودهم مع جهود طلائع المثقفين المتطلعين للإصلاح فأسفر هذا اللقاء الحميم عن تأسيس وتمويل ودعم أهم جمعية ثقافية إسلامية في مطلع الثمانينيات وهي الجمعية الثقافية الإسلامية التي كان لها بالغ الأثر في نشر وتجذير الوعي الإسلامي بالحكمة والموعظة الحسنة وبلورة صحوة إسلامية وطنية مشهودة وعلى نفس الخطى قامت اللجنة سنة 1984 ببناء معهد ابن عباس للدراسات الإسلامية بجهودهم الذاتية وهو صرح إسلامي علمي بارز كان له دوره المتميز في استقطاب مئات الطلبة الحافظين لكتاب الله العزيز المؤهلين بثقافة محظرية تمكنهم من النجاح في مسابقة تعد على مستوى الثانوية العامة في الآداب الأصلية وفي أواخر الثمانينات انشأوا مركزا للتكوين المهني ليتطور لاحقا إلى معهد اقرأ بالتعاون مع جمعية اقرأ الخيرية السعودية ويضم هذا المعهد معظم التخصصات المهنية التي تحتاجها السوق الوطنية عادة وأكثر من ذلك فإن معظم الهيئات الإسلامية الموجودة اليوم مثل روابط الأئمة والعلماء ..... إنما هي ثمرات من ثمارها، فهي بحق مهد العمل الإسلامي الرصين في موريتانيا .

    وعلى خلاف غيرها من أكثر الهيئات الوطنية كان من أهم خصائصها اشتراطها التبرع بالعضوية والخدمات فليس للعضو فيها أي مردود مادي لقاء نشاطه فيها إنما هو عمل طوعي محض .

    ولجنة المساجد والمحاظر هذه من أوائل من بادر إلى توزيع إفطار الصائم بطريقة منظمة على المساجد والمحاظر في الثمانينات قبل أن تتبنى الدولة توزيعه لاحقا وتواصلت مع ساكنة الأحياء العشوائية في الجوانب ذات الصلة . فشجعت الجماعات فيها على إقامة صلاة الجماعة وسددت رواتب لأئمة الجماعات التي عملت على بناء مساجد أو مصليات وأنشأت محاظر بجانبها .

    هذا النشاط البناء في تشجيع قطاع المساجد والمحاظر والدعوة والتعليم أسهم إلى حد كبير في تطور عدد المساجد من مئة وبضعة مساجد في أواخر الثمانينيات إلى مئات المساجد في ظرف قياسي جدا ، وفي السنوات الأخيرة يممت وجهها شطر المناطق الأقل حظا في التعليم فأقامت بها محاظر وبنت لها بنى تحتية مناسبة واكتتبت لها أساتذة يحفظون كتاب الله العزيز برواتب مجزية .

    هذه الهيئة العظيمة التي لا تكاد تعلم شمالها ما تنفق يمينها لا تزال تواصل عطاءها على نفس الدرب ، أما رجالها فمنهم من غيبه الموت ـ تغمده الله برحمته وأدخله فسيح جناته ـ أما بقيتهم ـ أطال الله بقائها  ـ فلا تزال متشبثة برسالتها الخالدة وأحسب الجميع مشمولا بقوله تعالى(رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) أحسبهم كذلك ولا أزكي على الله أحدا .

  ولم تكن هذه الهيئة في يوم من الأيام طرفا مشاكسا للسلطة القائمة لأنها غير سياسية أصلا وإنما ظلت سندا قويا جاهزا لكل من أراد أن يقدم خدمة لرسالة المسجد والمحظرة رغم كل التحديات والصعاب .

   وتزكية لأنشطة هذه اللجنة الطيبة ومباركة لأعمالها الهادفة المثمرة عملت السلطات الموريتانية على مساعدتها في أداء رسالتها على أكمل وجه ممكن فمنحتها القطع الأرضية اللازمة لإقامة مشاريعها وساعدتها بنخبة متميزة من الأساتذة شكلت الطواقم الإدارية والتربوية والسند الثقافي والعلمي لمؤسساتها .

   ولما أحس هؤلاء المحسنون من أنفسهم تناقصا وضعفا بوفاة بعضهم وتقدم الآخرين في السن من جهة وحاجة هذا المشروع العظيم إلى الاستمرار والتطوير من جهة أخرى لما فيه من نفع للبلاد والعباد وخدمة للإسلام قرر الباقون منهم استدعاء دماء شابة لعضوية اللجنة ممن تظن منهم الكفاءة والإخلاص لمواصلة المشوار ولِما آنسوا منهم رشدا أوكلوا إليهم قيادتها .

     أصلح الله لنا ولهم الحال والمآل وسلك بنا وبهم طريق الرشاد والسداد  .

    فهنيئا لهؤلاء ، تـقبل الله منا ومنهم صالح الأعمال وهو القائل (( إن الله لا يضيع أجر المحسنين )) .    

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين  .

 

14. يناير 2020 - 9:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا