الانقلاب الناعم !! / محمد الأمين ولد الفاضل

عرف الموريتانيون الكثير من الانقلابات، ولكنهم لم يعرفوا انقلابا ناعما مثل هذا الانقلاب الذي يعيشونه في هذه الأيام، والذي تم دون الحاجة لإذاعة البيان الأول، ودون الحاجة أيضا لتقديم لائحة المشاركين فيه،

 مما يعني بأن الشعب الموريتاني لم يتعرف حتى الآن ـ وبشكل صريح ـ على شخص حاكمه الجديد، وقد لا يتعرف عليه قريبا، حتى وإن كان أغلب الظن سيتجه دائما إلى الجنرال الذي كان يعرف بأنه هو الصديق والشريك الدائم في السراء وفي الضراء للرئيس المصاب.

إننا أمام انقلاب غير تقليدي، يسعى منظموه إلى أن يكون انقلابا ناعما قدر المستطاع، لذلك فهم يسعون إلى تأجيل قراءة بيانه الأول إلى آخر وقت ممكن، أو على الأقل يحاولون قراءة ذلك البيان بالتهجي البطيء، تماما كما يقرأ تلميذ في الصف الأول ابتدائي درسه الأول.

والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها هنا، هي أن هذا الانقلاب الناعم لم يتم التخطيط له مسبقا، ولا الإعداد له، وإنما جاء كردة فعل خبيثة من "أطراف صديقة" على حادثة إطلاق "النيران الصديقة" على الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

فهناك أطراف عديدة، وجدت نفسها في جبهة واحدة، وفي لائحة انقلابية واحدة، وهي أطراف تسعى جميعها إلى أن تنتزع من الرئيس محمد ولد عبد العزيز كافة سلطاته وصلاحياته بطريقة ناعمة في ظاهرها، خشنة ومتعجرفة في باطنها، وغير دستورية في مجملها.

وتأتي فرنسا الدولة المستعمرة التي لم تتخلف أبدا عن أي انقلاب من انقلاباتنا الكثيرة على رأس هذه الأطراف. لقد اختار الرئيس المصاب، أو اختير له أن يتعالج في فرنسا، رغم وجود خيارات وعروض أخرى، وذلك لأن وجود الرئيس للعلاج في فرنسا قد يعطي انطباعا أوليا بأن فرنسا لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولا تزال تعتبره الرئيس الفعلي لموريتانيا. ولكن عدم زيارة أي مسؤول فرنسي للرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يتعالج في المستشفيات الفرنسية، باستثناء وزير الدفاع الذي زاره بشكل عرضي، أعطى رسالة غير مشفرة لكل من يهمه الأمر بأن فرنسا قد تخلت نهائيا عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

والذي يمنع فرنسا من القول صراحة لأصدقائها في المعارضة بتخليها عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو أنها لازالت بحاجة إلى وقت تضع فيه تصورات عملية مع شركائها في المجلس العسكري الأعلى، بعيدا عن أي شريك سياسي مشاغب، وذلك من أجل التوصل إلى صيغة ما، يمكن من خلالها الدخول في مرحلة انتقالية لا يكون لها أي تأثير سلبي على الحرب التي تخطط لها فرنسا في الشمال المالي.

أما الشريك الثاني في هذا الانقلاب الناعم فهو المجلس الأعلى للأمن، والذي وجد نفسه في موقف صعب، كما وجدت فرنسا نفسها في موقف صعب بعد إطلاق النيران الصديقة على الرئيس محمد ولد عبد العزيز في توقيت لم تكن تتوقعه، ولم يكن يتوقعه أيضا المجلس العسكري .

وما يشغل المجلس العسكري الآن، أكثر من أي شيء آخر، هو البحث عن آلية ما تمكنه من الاحتفاظ بالميزات الكبيرة التي تحصل عليها بعد انقلابي الثالث والسادس من أغسطس.

وتبقى مشكلة المجلس العسكري هي أنه لم يعد ممكنا لأي ضابط عسكري أن يدخل القصر الرئاسي بشكل متعجرف ومتوحش كما كان يحدث في الماضي. كما أن هذا المجلس لم يعد بإمكانه أن يعيد تجربة "الرئيس المؤتمن"، لأن أي رئيس مؤتمن جديد لابد وأن يكون لديه من الدروس المستخلصة من تجربة الرئيس سيدي ما يكفي لأن يجعله يتخلص من أصدقائه العسكر من قبل أن يتخلصوا هم منه.

وبالتأكيد فإن المجلس العسكري يحتاج لأطول مدة ممكنة من قبل قراءة البيان الأول، حتى يبحث عن آلية ما تمكنه من الاحتفاظ بمزاياه العديدة في زمن لم يعد بذلك الزمن العسكري الجميل.

ويأتي الحزب الحاكم في المرتبة الثالثة، مع أن هذا الحزب قد لعب دورا استثنائيا في هذا الانقلاب الناعم. لقد أضر هذا الحزب بالرئيس محمد ولد عبد العزيز، أكثر مما أضر به أي طرف آخر.

ولعل من المفارقات اللافتة أن المعارضة المقاطعة، والتي كانت تطالب برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز من قبل "رصاصات السبت"، لا نزال رغم ذلك تعتبره رئيسا لكل موريتانيا وذلك من خلال مطالبته بأن يخاطب كل الشعب الموريتاني لطمأنته على صحته، بدلا من مخاطبة شخصيات سياسية بالهاتف، اثنتان منها أجريت في يوم السبت، وهو ما جعلني أسميها ب"مكالمات السبت" لألحقها بمصطلحات أخرى كنت قد أطلقتها في مقال : "من رصاصات السبت إلى شائعات السبت".

لقد سعى الحزب الحاكم، وبمشاركة من الإعلام الرسمي، إلى أن يقدم الرئيس محمد ولد عبد العزيز على أنه لم يعد رئيسا لموريتانيا، وإنما أصبح رئيسا لقلة قليلة جدا من هذا الشعب، وهي القلة التي نظمت وقفة أمام قصر المؤتمرات مساء "سبت الإشاعات"، وهي القلة التي لا تزال تهتم بالنسوة المرابطات أمام القصر في انتظار قدوم الرئيس، وهم النسوة اللواتي تجاهلهن الحزب الحاكم بشكل كامل، وبالمناسبة فأين هم نساء الحزب الحاكم اللواتي كثيرا ما تظاهرن وبأعداد كبيرة أمام القصر الرئاسي تأييدا للرئيس المصاب؟

وتبقى العلاقة القوية بين رئيس الحزب الحاكم ورئيس المجلس العسكري الأعلى، هي سر بقاء هذا الحزب متماسكا حتى الآن، ف"مناضلى" الحزب الحاكم لا يزالون يحتفظون بأماكنهم خلف رئيس الحزب الحاكم لأنهم يعلمون بأن رئيس الحزب هو واحد من أهم رجال رئيس المجلس العسكري، والذي سيسعى جاهدا ـ في قابل الأيام ـ لأن يسلم السلطة إلى رجل من رجالاته، إن لم يكن يفكر في تسليمها لرئيس الحزب الحاكم من خلال اقتراحه كمرشح رئاسي للأغلبية في الانتخابات القادمة.

وفي الرتبة الرابعة من اللائحة الانقلابية تأتي الحكومة، والتي تخلت نهائيا عن الرئيس أثناء مرضه، وتركت مهمة علاجه لأسرته الضيقة، حتى أظهرته وكأنه لم يعد رئيس دولة تبقى مهمة علاجه هي المهمة الأولى للحكومة في مثل هذا الظرف، وتبقى الحكومة من أكبر المستفيدين لحظيا من تأجيل قراءة البيان الأول، لأن تأجيل قراءة البيان الأول الذي ستعقبه حكومة إجماع وطني، سيتيح لها أن تتزود من خزائن الدولة قدر المستطاع، وذلك من قبل دخول أعضائها في بطالة قد تطول وتطول.

ولقد أغلقت هذه الحكومة وسائل الإعلام الرسمي في وجه الرئيس المصاب، وأصبح يمر الأسبوع كاملا دون أن تذكر التلفزة أو الإذاعة، أو الوكالة شطر كلمة عنه، حتى التعليمات النيرة اختفت من خطابات العديد من الوزراء، وربما يكون ذلك هو الذي دفع عائلة الرئيس إلى اللجوء إلى الصحافة الحرة لتقديم أخبار عن الرئيس، ولنشر صور أثارت جدلا كبيرا.

وربما يكون أيضا ذلك الحصار هو الذي دفع الرئيس لمكالمة شخصيات سياسية، ومطالبتها بطمأنة الشعب الموريتاني على صحته بدلا من مكالمة الحكومة، أو بدلا من إرسال مضمون تلك المكالمات إلى الشعب الموريتاني كافة، عن طريق الإعلام الرسمي.

تصبحون وأنتم فطنون ..

13. نوفمبر 2012 - 8:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا