فى كل تهجير إفراط، ويصبح الأمر تجاوزا إذا تعلق بمدافع عن حقوق الإنسان الاساسية التى تتكفل دول المعمورة بحمايتها والدفاع عن من يعانون من خرقها حتى وإن لم تكن تلك الدول موقعة على المواثيق المتضمنة إعلانها، ومن بين هذه الحقوق المصانة على الصعيد العالميى لارتباطها ارتباطا عضويا بالعنصر البشرىي يحتل تحرير الفرد من كل أنواع الاسترقاق مكانة معتبرة وحيزا رحبا وهذه القيم الإنسانية هي التى جاء الحقوقي الفرنسي السيد جان مرك بليك حاملا رسالتها أثناء زيارته لموريتانيا قبل أن يهجر قهرا،عنوة ، وشططا رغم حيازته لكافة الأوراق القانونية المطلوبة للإقامة فى موريتانيا إقامة شرعية آمنة، وقد ورد عن مصدر يوثق به أن تهجير الحقوقي الفرنسي يعود إلى خطأ وهو ما يعنى أن من نفذوه مسؤولون دون سواهم، فى غياب أي رابط بسلطة الرعاية التابعين لها، ومن هنا يتعين على هذه السلطة المتمثلة فى وزارة الداخلية أن تقوم بتحقيق للكشف عن هوية منفذي عملية التهجير لإجلاء ملابسات الظروف التى جرت فيها ثم اتخاذ إجراءات تأديبية مناسبة ضد المتورطين فى تنفيذ العملية، مع العلم بأن ما تعرض له الحقوقي الفرنسي يعتبر حجزا وإيقافا غير شرعيين كما تصرح بذالك المادة 319 قانون جنائي موريتانى كما أن رميه عنوة خارج بلد الإقامة ر بعد دخوله الاراضى الموريتانية بطريقة قانونية هو الآخر اعتداء عليه وعلى حريته يعرض المرتكب للعقوبات المنصوص عليها فى المادة 111 من القانون الجنائي الموريتاني، كلها أفعال تجعله محقا فى رفع شكاية ضد مجهول أمام حامى السلم العام الموريتاني طبقا لقاعدة التنازع (règle de conflit) التي تعقد الاختصاص فى المرحلة الراهنة للقاضي الموريتاني (juge du for) سبيلا إلى تحريك الدعوى العمومية ضد الفاعلين بواسطة النيابة بحثا عن ملاحقتهم جنائيا ، فضلا عن الحكم عليهم بتعويض الضحية عن الأضرار المادية والمعنوية ذات الصلة علما أن الحجز والإيقاف غير الشرعيين يشكلان جريمة خطيرة تعرض مرتكبيها للإحالة أمام المحكمة الجنائية.
قد يقول البعض إن رفع هذه الدعوى لن يجدي نفعا إلا أن هذا التخوش تقابله حرية الضحية طبقا للقانون الدولى فى ممارسة الدعوى لدى محكمة دولية إذا أثار أمامها أن رفض طلباته يعود إلى خلل فى الجهاز القضائي الموريتاني وقد تمت إدانة بعض الدول على هذا الأساس مثلما تدان على ضوء قوانين صادرة عن برلماناتها إذا كانت هذه القوانين تتعارض مع التزامات تلك الدول الناتجة عن عضويتها فى المواثيق الدولية التى تم خرقها.
أما إذا كانت أفعال الاعتداء المرتبطة بالحجز والإيقاف غير الشرعيين ناتجة عن تدبير من تدابير الشرطة الإدارية، ففي هذه الحالة تكون مسؤولية الدولة الموريتانية قائمة وكاملة اتجاه فرنسا ومواطنها ويمكن تحريك هذه الدعوى على الصعيد الدولى باعتبار الضحية لم تتلى عليها حقوقها قبل إخراجها ولم تشعر مسبقا بحقها فى تحضير دفاعها ولم تبلغ "فورا" التمثيلية الدبلوماسية التى تنتمي إليها خرقا لمعاهدتي افينا بتاريخ 1964 و 1963 المتعلقتين على التوالي بالعلاقات الدبلوماسية والعلاقات القنصلية، كلها تجاوزات من شأنها أن تشكل مصدر التزام ضد الدولة الموريتانية اتجاه الدولة الفرنسية والحقوقي الحامل لجنسيتها طبقا لفقه محكمة العدل الدولية (Cour Internationale de Justice) كما ورد فى أحكام متعددة صادرة عنها بهذا الخصوص فى جلساتها بتاريخ 31 /3/ 2004 حول نزاع بين دولة المكسيك وبعض مواطنيها المقيمين فى الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، و بتاريخ 27 /6/2001 بين ألمانيا وأخوين من الجنسية ألمانية مقيمين فى أمريكا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى ) (……….. وآخر حكم عن الهيئة الدولية بهذا الصدد كان بتاريخ 17/7/2019 فى نزاع بين الهند وأحد مواطنيها من جهة ، وباكستان من جهة أخرى و فى هذه القضايا جميعا أدينت الدولة المدعى عليها ( الولايات المتحدة وباكستان) بحجة خرق أحكام معاهدتي فينا آنفتىي الذكر.
يتعين على الموريتانيين، حكومة وشعبا، الموافقة من الناحيتين الواقعية والقانونية، و ليس من الناحية القانونية فحسب، على أن الاسترقاق مصنف بالجريمة الدولية فى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10/12/1948 ، الميثاق الاروبى لحماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية بتاريخ 1950/11/4 ، الاتفاقية الخاصة بالرق بتاريخ 25/9/1926 ، اتفاقية قمع الاتجار بالبشر واستغلال بغاء الغير بتاريخ 12/12/ 1949، الاتفاقية الإضافية بشأن إلغاء العبودية بتاريخ 7/12/1956 ، البرتوكول الإضافى لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بتاريخ 15/11/2000 الرامية إلى معاقبة الاتجار بالبشر وخاصة بالنساء والأطفال و معاهدة منتك بي فى شقها المتعلق بتحريم وتجريم تجارة الرقيق في أعالي البحار.
كان حريا بنا ونحن نستقبل السيد جان مارك بلين أن يكون ذالك الاستقبال مناسبا للقيم الإنسانية التي يدافع عنها.