رغم استراتيجيات الوزارة وخططها للنهوض بالتعليم في موريتانيا، فهي لا زالت عاجزة عن الخروج لنا بخارطة طريق منجية ومقنعة لانتشال القطاع من براثين الفساد وبراكينه النائمة التي تكاد تعصف به بين الحين والآخر، فآخر كلام رسمي لفخامة رئيس الجمهورية قال فيه إنها لازالت تفكر وتدبر، وهو ما أسفر عنه احصاء شكلي نحن في غنى عنه لو أرادوا ملامسة الحقيقية وكشف النقاب لرئيس الجمهورية ومصارحته بمكامن الخلل وأماكن العلة دون التسويف والمماطلة اللذان لا يتحملهما القطاع، وهو ما يجعلني نظرا للمسؤولية ومواكبة الميدان أحاول وضع اليد على الجرح النازف تضميدا له وتقويما لما انصرم من السنة الدراسية حتى لا يبقى حلم إصلاح التعليم لدى رئيس الجمهورية شعارا في الفضاء أو حبرا على ورق، وإليكم النقاط الثمانية المختصرة للتقييم:
الافتتاح وطموح المدرسين بأن يصبحوا مثل نظرائهم في دول الجوار: اعتقد جل الناس أن هذه السنة ستختلف عن سابقاتها نظرا لما صاحب الافتتاح من هالة إعلامية كبيرة، وما أولاه فخامة الرئيس من أهمية للتعليم، حيث أشرف على افتتاح السنة الدراسية وأعطى تعليماته للجهات الإدارية بأن تشرف على الافتتاح في الولايات الداخلية، ولم يشفع هذا الإجراء حتى الآن بأي رؤية إصلاحية للقطاع.
وقد تصور المدرسون بأن الرئيس الذي أبدى اهتمامه بالتعليم وأهله واختار لهم وزيرا كفء من أهله سيغير ظروفهم المزرية وواقعهم البئيس، وهو ما لم يحدث بعد، حيث أن المدرس ما زال يقبع تحت وطأة الإهمال والتهميش والغبن فهو الحلقة الأضعف في الدولة ماديا ومعنويا.
البنية التحتية: تتسم البنية التحتية للمؤسسات التعليمية عموما بالضعف والتهالك وعدم تلبية الحاجة؛ فالأقسام مكتظة (120 تلميذا في العاصمة نواكشوط مثلا، و160 تلميذا في الفصل الواحد في عواصم الولايات؛ وهو ما عرض بعضهم لحالات صرع أربكت الجهات الإدارية وأفزعتها) وهي قاعات خربة منعدمة الصيانة.. وليست لها نوافذ وتارة بلا سقف، والسبورات رديئة، والطباشير مميتة، والطاولات متكسرة..
إن أغلب المؤسسات بلا سور وإن وجد فهو قصير ومتهالك..، مما يجعلها قبلة لقطاع الطرق والعصابات المتخصصة في أنواع الجرائم وبيع المخدرات.
إن الوزارة تبوب كل سنة في ميزانيتها على إصلاح المؤسسات وصيانتها وتزويدها بالماء والكهرباء وتخصص لذلك أموالا طائلة، غير أنها لا تصرف فيما خصصت له بل إنها تذهب إلى جيوب المفسدين الذين ينفقونها وفقا لمآرب وغايات تخدم أباطرة الفساد وأذيالهم الذين تعج بهم أروقة الوزارة وأزقتها الضيقة المظلمة.. التي نأمل أن ترى النور عاجلا.
غياب الأمن دخل المؤسسات التعليمية: تعرف المؤسسات التعليمية غيابا للأمن؛ مما يجعل التلاميذ والأساتذة يدفعون ثمن هشاشة الأمن داخل المؤسسات وخارجها، حيث يتم الاعتداء عليهم.. وما قصة الأستاذة التي زارها الوزير مشكورا ب"تيارت" عنا ببعيد.
الخريطة المدرسية: إذا أمعنا النظر في الخريطة المدرسية نجد أن توزيع المؤسسات داخل الحيز الجغرافي يمتاز باختلالات كبيرة، فعلى سبيل المثال تتركز في نواكشوط أغلبية المؤسسات التعليمية في حين يحرم الوسط الريفي الذي مازالت بعض مؤسساته مغلقة لحد الساعة!.
نقص الكادر البشري وسوء توزيعه: رغم محاولة الدولة الخجولة والمرتجلة.. لسد النقص الكبير الحاصل في الكادر البشري على مستوى المؤسسات عمدت الدولة إلى إجراء مسابقة عبثية لانتقاء من سموهم "بمقدمي خدمة التعليم"، ورغم ذلك ما زال الطاقم يشهد نقصا كبيرا وتوزيعا سيئا يخضع للزبونية والمحسوبية والجهوية والطائفية المقيتة..
تتطلب مراجعة التوزيع الحالي للمدرسين تحديث المعايير وتطبيقها بدقة وفقا للنصوص المعمول بها حتى تتحقق العدالة.
الترقيات: تفتقر الترقيات إلى الإنصاف وما زالت خاضعة للمحسوبية والزبونية والوساطة التي بدونها قد يقضي المدرس عمره حاملا للطباشير الصينية النتنة القاتلة.. مستنشقا غبارها.
الكتاب المدرسي: إن معظم المؤسسات تعرف افتقارا كبيرا في مجال الكتاب المدرسي للتلميذ الذي يبدو المعهد الوطني عاجزا عن توفير القدر الكافي منه، وما هو موجود منه مليء بالأخطاء التي يعتبر بعضها غير مقبول منهجيا ومحرفا للحقائق العلمية الثابتة؛ مما يجعل البعض يتتساءل عن المعايير التي على أساسها يتم انتقاء مؤلفي الكتاب المدرسي، ولماذا لا يوجد كتاب خاص بالأستاذ!؟
الاحصاء: انتدبت الوزارة مكتب دراسات من أجل معرفة عدد المدرسين، فشرع هذا المكتب في تأدية مهامه مستعينا بطواقم غير مهنية؛ مما يجعل العملية مبتورة في كل الأحوال ولن تسلم من تغول الإدارة وإمساكها بزمام المبادرة للتغطية على العديد من المسرحين وهو ما سيجعلنا نحن عمال التعليم الميدانيين أكثر عرضة للحيف في استراتجيات الوزارة المستقبلية.
وصفوة القول، إن هذه القراءة السريعة لما انقضى من السنة الدراسية تشي بأن الدولة لم تهتم بالتعليم وأهله حتى الآن؛ ذلك أن لا الوزارة لا تبدو جادة في تغيير واقع التعليم البئيس.. وما قامت به حتى الآن لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون.
إن التعليم يحتاج إصلاحات شاملة وجوهرية تنطلق من تشخيص دقيق للمشاكل القائمة وإيجاد حلول جذرية لها، وهنا أسجل بعض الحلول التي من شأنها أن تساهم في حلحلة هذه المشاكل المتشعبة قبل تفاقمها:
تحسين ظروف المدرسين عن طريق زيادة مجزئة في الرواتب من شأنها أن تجعل القطاع قبلة لأولي الكفاءات بدل جعله طاردا لهم.
تشييد بنية تحتية متماشية مع متطلبات العصر، وترميم ما هو قابل للترميم منها.
بناء سور حول كل مؤسسة يحميها.
اكتتاب حرس للمؤسسات التعليمية.
توزيع المدرسين بشكل عادل على المجال الموريتاني مع مراعاة ظروفهم.
تنظيم اكتتاب سريع لسد النقص كما وعد بذلك فخامة الرئيس.
توفير كتاب مدرسي للأستاذ وآخر للتلميذ مع ضرورة العناية بهما حفاظا على سمعة البلد، فالكتب تنقل لأصقاع العالم وتحمل هوية البلد.
إنشاء نظام تحفيزي فعال يساهم في تحسين ظروف السكن للمدرسين.
التكوين المستمر للمدرسين، وهو ما يغيب عن القطاع قرابة عشر سنوات أو أزيد، في حين أن نظراءنا في القطاعات الوزارية يتلقون تكوينات فصلية ودورية كل سنة ووزارتنا تدعي أنها من أكبر الوزارات ميزانية، فما هذه المفارقة؟
اعتماد نظام مبدأ العقوبة والمكافأة بشكل سليم وعادل..
تطبيق نظام الأسلاك بصيغته التوافقية لسنة 2012.
اختيار مؤلفين أكفاء وتفريغهم لإعداد ومراجعة الكتب المدرسية.
للتواصل: [email protected] .ould