كانت منطقة الساحل ولا تزال بموقعها الفريد عالميا، وثرواتها البشرية والطبيعية منذ القدم محط اهتمام خارجي يتجدد ويتمدد، اهتمام – للأسف – لم يحفظ لشعوب المنطقة ذمة ولم يرع لهم حقا، بل امتطى ظهورهم صافنات جياد أكثر من مرة تحت شعارات براقة، تارة باسم التحرر والبناء، وطورا باسم التأمين والنماء، وربما أظهر فاتخذ شعارات أكثر جلاء ودهاء، وربما استتر فانتهج الخفاء ولا ترك للدهاء بحال، على حسب ما يقتضيه المقام ويفرضه سلطان السياق ذي الخصوصيات المتعددة.
لقد تزايد اهتمام القوى العظمى من الصين شرقا إلى الولايات المتحدة غربا فما بينهما خلال الآونة الأخيرة بمنطقة الساحل أو غرب إفريقيا بشكل لافت جدا، وربما كان غريبا مريبا؛ اهتمام يتدثر بالتبادلات التجارية والشعارات السياسية الحقوقية والمقاربات الأمنية والتدخل العسكري الأجنبي لصالح شعوب المنطقة زعما ولد وهما لدى كثير ممن ينظر للأمور نظرة سطحية.
يتبين يوما بعد يوم أن منطقة الساحل قد يراد لها أن تشتعل لتشتمل على مسوغات دائمة للتدخل الأجنبي، وللدخول لتأمين مصالح يتصارع عليها الكبار؛ لقد أسالت هذه المنطقة لعاب قوى كبرى بما تتضمنه من مصادر الطاقة العالمية، وآخرها الحقول الكبرى للغاز والنفط الممتدة من موريتانيا إلى خليج غينيا، وذلك ما جعل بعض هذه القوى كالولايات المتحدة الأمريكية يعلن أنها مرشحة بقوة لتكون البديل عن الشرق الأوسط لتأمين الطاقة للقارة الأمريكية، هذا فضلا عن كونها تتضمن مناجم المعادن النادرة عالميا من التربة السوداء والصفراء ومعادن الذهب والفضة والحديد واليورانيوم والماس وغيرها بكميات معتبرة، ثم لا نسيان للثروات المتجددة في البحار وعلى ضفاف الأنهار وسفوح وقمم الجبال.
يتزايد الحديث سياسيا وإعلاميا عن التهديدات الأمنية في منطقة الساحل، وبغض النظر عن الأسباب التي تؤدي لتزايدها فإننا هنا لسنا بصدد التقليل من شأنها، لكن لا بد من نظرة شاملة غير جزئية مدروسة غير تقليدية لعلاج تلك الظاهرة من داخل دول المنطقة وشعوبها، نظرة لا تقتصر على الضرب والسحل والتنكيل والتقتيل والخيار العسكري الأرعن. والحقيقة التي لايخطئها الناظر الناقد النافذ بذهنه إلى ما وراء الأكمة أن التهديدات الأمنية وجدت أو أوجدت لتأمين وتبرير الصراع على مصادر ثروات تنام عليها شعوب قاصرة أو مقصورة، مغفلة مغلوبة مقهورة.
إن التشكيلات المقاتلة بالساحل تقوم على أسباب كثيرة ومتشابكة ومتعقدة، تتقاطع فيها المصالح داخليا وخارجيا، فبعضها له أسباب إثنية، وبعض له أسباب اقتصادية كالبطالة المتفشية جدا والفقر المنتشر، وهناك أسباب ثقافية؛ فلو أن حكومات المنطقة اعتنت بتنمية بلدانها بجد، وانتهجت سياسة شاملة لا تقصي خصوصيات المنطقة الحضارية ولا تلغي قيمها الثقافية والروحية، فاعتنت ببناء الجامعات وتنظيم الحقل الديني، واستقطاب الكفاءات الأكاديمية الشرعية التي تربي عقول الشباب فتحجزه عن المهالك المضرة بدينه وبوطنه لكان لذلك تأثير سريع وأثر حسن، إن تكوين العقول يبقى أنجع الوسائل لعلاج كل الظاهرات الإنسانية غير المرغوبة، تكوين لا يتنكر لخصوصيات الإنسان والمكان والزمان.