يبدو أن الآمال التي عقدتها غالبية مكونات الطيف الوطني علي تحرير الفضاء السمعي البصري في إحداث قفزة تقدمية تمس واقع إعلامنا الوليد قد بدأت في التلاشي وذلك بعد مرور عدة أشهر علي بروز بعض المحطات الخصوصية الإذاعية والتلفزيونية إلي حيز الوجود ،ورغم أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم علي مستوى أداء وعمل هذه المؤسسات
إلا أن نظرة خاطفة علي ملامح الخارطة التي بدأت تتشكل تجعل صدمة المرء أشد ،خاصة إذا ماكان من أهل الميدان أوالمهتمين به ، فالكثير من الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف بدأت تنبعث من داخل بعض المقرات الإعلامية محملة بالجهوية والقبلية وغيرهما من الروائح النتنة التي أخذت تستشري في جسم تلك المؤسسات استشراء النار في الهشيم وتعشش في أذهان أصحاب القرار، وهي تتجسد أكثر علي أرض الواقع في التعاطي والتعامل وغدت للأسف واقعا يشار إلي أصحابه بالبنان .
إضافة إلى أن الفشل ظل الملازم الأبرز والحائل الأصلب دون حدوث تحول جذري مقنع ، يعطي انطباعا حقيقيا في المادة والبرامج المذاعة والتي ظلت في معظمها استنساخا ولصقا لبرامج الإذاعة الوطنية ,أو محاكاة لها في أحسن الأحوال ،مع فارق في التسميات والأصوات ،على الرغم من وجود الطاقات الشابة التي يترك أداؤها الانطباع الحسن ، بفعل محدودية دائرة التحرك المسموح به داخل تلك الكيانات نتيجة لطغيان مركزة القرار بصورة تكاد تطابق ماهو عليه الحال في المؤسسات الإعلامية الرسمية ، تضاف إلي ذلك نظرة الثقة الزائدة من البرج العاجي للمدراء المستبدين، و عدم بلورة رؤية إعلامية واقعية وواضحة المعالم تكون بديلا للارتجال والتخبط هنا وهناك ،وهو ماينذر في حال عدم تداركه بخطوات عملية ،بالتلاشي الحتمي علي المديين القريب والمتوسط علي أبعد تقدير ،خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الإكراهات المادية والتي يرى كثيرون أنها تشكل مربط الفرس ودائرة الارتكاز في العملية برمتها إذا ما أريد فعلا لهذه الكيانات الاستمرار، والغريب المضحك المبكي في الآن نفسه هو مستوى الحساسية الزائد الذي يشعربه مسيرو تلك المحطات خاصة الإذاعية منها تجاه الإذاعة الوطنية ،لكن هؤلاء في المقابل لايتوانون أبدا عن قرصنة تسجيلاتها الصوتية واستدراج منهم بحاجة إليه من طاقاتها الفنية خصوصا ولفترة محدودة،ومن ثم الاستغناء عنهم بعد ذلك بطرق غير لائقة يصعب إيجاد مبررات مقبولة لها ،علاوة على أنها تتنافى و روح الزمالة .
غيران الصورة الأقبح من دون منازع تتمثل في الاستغلال البشع وغير القانوني ولذي قد يصل لشهور عديدة للطاقات الشبابية المتعطشة لدخول هذا المعمعان دون تعويض مادي ،عبر إيهامهم بالافتقاد إلي الصقل والبناء وبضرورة الاستمرار في التدريب الذي قد يطول من أسابيع إلي شهور دون أن تلوح في الأفق بوادر انتهائه ، إضافة إلي التأخيرات المتكررة لرواتب العمال والموظفين الذين تشوب وضعية جلهم داخل تلك المحطات الكثير من الضبابية وهم معرضون من حين لأخر للتسريح والطرد لأتفه الأسباب وحسب مايمليه مزاج حضرة المدير، دون مراعاة لحقوقهم والتعهدات الموقع عليها والتي في الأغلب الأعم يتم التنكر لها وضربها بعرض الحائط كما شهدت علي ذلك عدة وقائع.
وبين جشع هؤلاء وتلهف أولئك تقف الهيئات المنظمة للعمل الصحفي والمدافعة عن حقوقهم موقف المتفرج دون أن تحرك ساكنا وكأنها تبارك بصمتها الرهيب هذا الهلوكوس الإعلامي في حق عشرات الصحفيين الشباب وهي التي كانت إلي وقت قريب تصم الأذان بالبيانات والتصريحات الصحفية، التي تدعي فيها الدفاع ونصرة المستضعفين من أصحاب مهنة نخشى بالفعل من أن تتحول من مهنة المتاعب إلي مهنة التلاعب ،إذا لم يتحرك المعنيون من كل الأطراف لوضع القطار على سكته الصحيحة قبل أن تستن هذه البدع ونتحمل جميعا وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم الدين ،اللهم هل بلغت ،اللهم فاشهد.