مرة أخري تعود للواجهة مطالب المدرسين الرامية إلي تحسين أوضاعهم المعنوية والمادية وحق لهم ذلك ؛ مدفوعين بقوة وصدق نية برنامج رئيس الإجماع الوطني " تعهداتي " الرامي إلي انتشال ما تبقى من قيم الجمهورية ؛ خاصة ما يتعلق منها بجانب منظومتنا التربوية والتعليمية التي ظلت ولاتزال قابعة تحت نير التسيب العبثي؛ والوضعية المأساوية التي تعيشها أسرة التدريس بشقيها الأساسي والثانوي ؛ مشفوعة ومتبوعة بسياسة التفريغ والتغطية الممنهجين للمدرسين ؛ التي فاقت التوقعات ؛ بحيث تكاد تجد المئات من المدرسين كانوا في وضعية غير سوية ؛ وليس ذلك ببعيد من خلال كشف الوزارة عن بعضهم من خلال الإحصاء الإداري الذي قيم به منتصف شهر ديسمبر الماضي .
ومما يبعث علي التفاؤل لمحاولة حل تلك المشاكل والاختلالات التي تظهر بين الحين والآخر؛ سواء علي مستوي تحسين ظروف المدرسين أو علي مستويي البنية التحتية وتكملة النقص الحاد في المدرسين ؛ هو مضي القائمين علي العملية التربوية للنهوض بها وبعثها من مرقدها وغفوتها ؛ وعود الي ماقلنا فإن ما يبعث علي التفاؤل اكثر لحل تلك المشاكل المتشعبة ؛ كون الوزارتين الوصيتين علي العملية انتهجتاو للوهلة الأولي سياسة الباب المفتوح علي مصراعيه مع النقابات ورابطات الآباء؛ مما يؤكد عزمهما القوي علي الاصلاح المنشود الذي ترمي الوزارتين الي تجسيده علي الواقع ؛ بعيدا عن سياسة المهاترات واليوتوبيا الزائفة والشعارات الجوفاء ؛ مما يستدعي منا جميعا المساهمة في ذلك متحلين بالصدق والتفاني في العمل والصبر وإتاحة الوقت الذي يسمح بتنفيذ سياسة الإصلاح الذي ننشده جميعا ؛ كي ننأى بمنظومتنا التعليمية من تجاذبات المتسيسين ؛ وسماسرة الفساد ؛ ولن يتحقق ذلك إلا بالعمل بما هو متاح لنا وبين أيدينا ؛ فنحن ضحايا نظام عشرية من الفساد والتسيب الذي أنتج اخطبوطا فاسدا يتحكم في بوصلة الوزارة ؛ بالاضافة الي تركة بني تحتية خرفة ومتهالكة ؛ لاتراعي جودة المعايير والصيانة المطلوبين ؛ وسياسات حكومية أخفقت في التنمية المستدامة وخطط الإقتصاد ؛ لهذا وذاك يكون من الحري بنا إذا ما أردنا أن نروم الإصلاح المنشود أن نمنح الوقت الكافي لتنفيذ كل تلك الإصلاحات؛ وبما هو موجود و تحت تصرفنا .
إن تلك الوضعية الكارثية التي نحن فيها ونعيشها الآن من ترد للمنظومة التربوية من شاركنا وساهمنا فيها ؛ إننا نحن الذين حفرنا قبورنا بأيدينا ؛ كما يقول لينين في الأيديولوجيا الماركسية ؛ وبالتالي يكون لزاما علينا اتاحة الفرصة لهذا النظام وحكومته ؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعليم الذي يهدف الي بناء و خلق الانسان المتسلح بالمعارف والمهارات ؛ والقادر علي دخول سوق العمل من أبوابها الواسعة ؛ فالدول لاتبني بالارتجالية وإنما بالخطط المدروسة ؛ خاصة التعليم الذي يعد العمود الفقري للتنمية بمفهومها الشامل ؛ وهنا يبرز دور المدرس الإيجابي في خلق الإنسان؛ لكن ذلك لن يحصل إلا بتحسين وضعه مع مراعاة الممكنات بدل إلتماس المعجزات واللاممكنات العبثية ولذا كان وزيرنا صادقا فيما لجأ إليه ( لا تعذرونا في الممكن وتفهموا غير الممكن ) ؛ فالممكن هو المتاح ؛ ماهو قابل للجسيد المنطقي ؛ أما اللاممكن فهو تجاوز وتجاسر علي الواقع ؛ بحيث نكون لا وقعانيين في حالة طلبنا إياه ؛ بل وتتحكم فينا الأهواء واللاموضوعية والارتجالية التي تطبع بعضنا ؛ مما ينجر عنه إجهاض لا قدر الله كل ما من شأنه أن يعرقل ما نحن بصدده ؛ ويدخل في ذلك باب سنة التحاور والتفاهم اللذين طبعا لقاءات الوزارتين والنقابات المهنية في الأشهر الماضية ؛ مع أنهما لن تألو ا جهدا في الحفاظ عليه وتوسيع دائرته؛ رغم تهديدات تلك النقابات التي لاترى من الكأس سوى جانبها الفارغ ( ألا اشرب ذ أو نرشمك ) ؛ ومع ذلك تظل في التصامم والتجاهل الاعمي عن تفهم الوضعية التي يمر بها البلد اقتصاديا ؛ بل وعالميا ؛ فالاصلاح ليس له زمن محدد البتة؛ فهو عملية تواصلية وما يترتب عليه من تحسينات مستقبلية لاتاتي بين عشية وضحاها ؛ ومن ثمة فما علينا إلا الإنتظار وإتاحة الوقت لتمرير المشروع المجتمعي لفخامة رئيس الجمهورية ؛ فالمطالبة في هذا الوقت بالذات لحل جميع المشاكل التي تكتنف المدرسين أولوية الأولويات في برنامج الحكومة ؛ لكنها مرتبة حسب الأولوية وحسب فنيي ومتخصصي القطاع والعاكفين علي إصلاحه ؛ ولن يؤثر عليها أيا كان ؛ مع العلم أن طلب المستحيل واللاواقعية في هذا الوقت بالذات نوع من سوء الادب مع الله ونكوص للوراء بغية نسف ما تم إنجازه وإن كان لايفي بالمطلوب ؛ ويجب أن لانغض العين عن الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد زد علي ذلك التركة التي ورثها النظام بغثها ؛ لكن ذلك لن يكون حائلا دون تحسين وضعية لا المدرسين وحدهم وإنما كل المواطنين في حالة تحسن الظروف الاقتصادية الواعدة مستقبلا ؛ مع العلم أن تلك التحركات النقابية ترعاها دمي الأيادي الناعمة الناقمة علي النظام الحالي وحكومته التكنوقراطية ولاتخفي ولاتنطلي علي أحد؛ بغية زعزعته أو تقويضه ولن يتم ذلك بحول الله ؛ لأن الارادة الشعبية للنظام تابي ذلك وهي من انتخبته بنسبة معتبرة .