خلال اختتامه لمؤتمر التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال المنظم بشراكة بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية ومنتدى تعزيز السلم برئآسة العلامة الشيخ عبد الله ولد بيه في المجتمعات المسلمة خاطب السيد الداه ولد اعمر طالب وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي المؤتمرين قائلا :
أعبر لكم باسم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عن كامل دعم موريتانيا لهذا المؤتمر الهام واستعدادها التام للمساعدة في تنفيذ ما سيصدر عنه من اقتراحات وتوصيات
فهل يعني ذلك أن موريتانيا بدأت تستعيد مكانتها في إفريقيا ؟
ولأوضح للقارئ فإنني أعني بإفريقيا مجموعة الدول الإفريقية التي تفصلها موريتانيا عن العالم العربي
أعتقد أن الفرصة سانحة لموريتانيا لتعود بقوة إلى سابق عهدها منارة علم وحكم سلم في المنطقة الإفريقية وذلك للاعتبارات التالية :
--لكونها أعطت مثالا رائعا يكاد
يكون غير مسبوق في التبادل السلمي على السلطة من خلال استحقاقات 2019 الرئآسية الأخيرة مما يخولها استقرارا سياسيا حقيقيا لا يتأتي أخذ مكانة دولية فاعلة دونه
--- خلو علاقات موريتانيا وجميع الدول الإفريقية من شوائب الصراعات العرقية والحدودية وشراكتها معها في العديد من المنظمات الجهوية والإقليمية
والدولية كمنظمة الاتحاد الإفريقي ومنظمة استثمار نهر السنغال ومنظمة دول الساحل
--- وجود الكثير من مفاتيح العلاقات التي يمكن للطرفين تفعيلها ايجابيا مثل الحواضر الروحية الموجودة في البلدين والتي تمثل وجها عريقا من وجوه الاندماج والتفاعل بين الطرفين ومن تلك الحواضر مثلا مدينة كولخ وطوبى في السنغال وقرية النمجاط بموريتانيا وانيور بمالي وغيرها من الحواضر الروحية التي ترمز للتفاعل الايجابي بين الطرفين
ويشكل التاريخ الناصع لعلاقات موريتانيا بإفريقيا دعامة قوية لمكانتها التي تسعى لاستعادتها ولأهمية هذا الجانب من التاريخ لا بأس في استعراض لمحة منه :
بعدما استقر الإسلام استوى عوده ونضج ممارسة وسلوكا في بلاد شنقيط (على يد المرابطين في ق 5الهحري ) طفق الشناقطة يجوبون مجاهل افريقيا تجارا فكان زادهم الفقه الذي يحفظون في صدورهم وسلوكهم المسالم وتصوفهم الفطري أبرز ما وهبوا للقارة للإفريقيا
هكذا أخذت إفريقيا عن الموريتانيين إسلاما سنيا مالكي المذهب أشعري العقيدة وسطيا يرفض الإفراط والتفريط
وباعتبار تأثير الزعامات التقليدية في المنظومة الاجتماعية الإفريقية فقد كان لأخذ بعض تلك الزعامات بعض الطرق الصوفية تأثير قوي شكل طفرة تصوفية وثقافية في القارة تمثلت في الحضور القوي جدا لكل من الطريقتين القادرية والتيجانية
أما الشاذلية والماتريدية فظل لهما في القارة وجود غير أنه لم يصل درجة وجود كل من القادرية والتيجانية
وقد نظرت أربا لوجود الاسلام بإفريقيا بعين الريبة حيث
قدم الفرنسيون ورقة حول خطر الإسلام في إفريقيا خلال مؤتمر برلين الخاص بتقسيم قارة افريقيا سنة 1885. وقد ظلت جارتا موريتانيا : السنغال ومالي مركزا ومنطلقا للحضو ر الثقافي والرحي للموريتانيين في إفريقيا جنوب الصحراء وبفضل الإسلام الوسطي القادم لإفريقيا من موريتانيا استطاع الأفارقة منازلة المشروع الغربي الإستعماري التنصيري والانتصار عليه في العديد من المواقع
وبالعودة إلى المبررات التي تؤكد أن فرصة موريتانيا سانحة لاستعادة مكانتها الروحية والثقافية في آفريقيا نذكر من تلك الاعتبارات والمبررات :
-- مكانة مزريتانيا الفريدة :تتمتع موريتانيا بموقع جغرافي إفريقي فريد حيث تشترك مع دولتي السنغال ومالي في الحدود وتتشابك علاقاتها الاجتماعية والثقافية والروحية مع كل منهما
-- المعطيات الاقتصادية الموريتانية الجديدة :تتمتع موريتانيا بمزايا اقتصاد ية جديدة تتمثل في الثروة الغازية الضخمة التي ستشكل دعامة قوية لمكانتها ودورها التقليدي في إفريقيا
--- العلاقات الروحية الثقافية : يعترف الكثير من السنغاليين والماليين و النيجريين (نسبة لنيجيريا ) بسابقة تلمذة للموريتانيين في مجال التصوف والفقه نشأت ونمت واستوى عودها برعاية العديد من مشايخ القادرية والتيجانية الموريتانيين مثل الشيخ سيد المختار الكنتي والشيخ سيديا الكبيرو الشيخ محمد فاضل ومن صدر من المشايخ من أبنائه وغيرهم والشيخ محمد الحافظ ولد الطلبة والشيخ سيدي مولود فال وغيرهم ...كما أن الآخذين عن الشيخين السنغاليين الشيخ أحمدو بنب القادري وابراهيم انيس الكولخي الموريتاني من الموريتانيين شاهد حي على هذا التفاعل الثقافي الذي يدعمه أيضا الحضور القوي للفرع الحموي من الطريقة التجانية في مالي على يد الشيخ حماه الله ومن نافلة القول إن هذا التفاعل الروحي حمل معه اللغة العربية التي تملك موطئ قدم قوي في كل منطقة إفريقية دخلها الإسلام عن طريق الموريتانيين
--- الحضور التجاري الموريتاني بإفريقيا :الموريتاني بطبعه تاجر خبير بتسيير القوافل وصناعة المال لذلك نراه موجودا بقوة في جل دول إفريقيا لا يكتفي بممارسة التجارة في دول السنغال ومالي وكامياالمجاورة بل نراه في ساحل العاج والكونكو والكابون وانكولا وهو بطبعه سلمي و حامل علم ودعوة للإسلام
-- حسن الجوار والعلاقات الدبلماسية :لقد فرضت المصالح الاقتصادية والعلاقات الثقافية والروحية والتفاعل الاجتماعي وطبيعة البنية العرقية ذات البعد الإفريقي العربي على موريتانيا إن تكون جسر تواصل بين إفريقيا والعالم العربي الممتد من الخليج إلى المحيط وقد ظل الموريتانيون سفراء وحملة علم وسلم في رحلتي الشمال والجنوب ولهذا السبب سهل على الدبلماسية الموريتانية حرمان الكيان الإسرائيلي من التمدد داخل إفريقيا في سبعينيات القرن الماضي
لكل هذه العوامل أرى أن مؤتمر السلم الحالي الذي اختتم في موريتانيا قبل أيام تميز بالحضور المكثف لعلماء إفريقيا ومثقفيها وبما لقي من دعم سياسي قوي من الدولة الموريتانية حيث افتتحه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني واختتمه وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي السيد الداه ولدسيدي ولد اعمر طالب باسم رئيس الجمهورية جاء في الوقت المناسب وسيشكل بداية طيبة وقوية لاستعادة موريتانيا لدورها الدعوي العلمي بمدرسته الفقهية المالكية وبتصوفه الذي ترسخ واستوى عوده و بوسطيته التي ترفض بطبيعتها كل أشكال التنطع والتطرف