قـد يخــفـى عـلى الفطـن الصواب / الطيب ولد سيد أحمد    

خاض مرشح رئاسيات 2019 السيد/ محمد / الشيخ محمد أحمد/ الغزواني حملته الرئاسية ببرنامج انتخابي واعد تحت عنوان : تعهداتي وقد نال هذا البرنامج إعجاب الكثير من المهتمين بالشأن العام وأحزاب الأغلبية ومحبيها وإن مع تبرد.

  وقد حصن الرجل برنامجه المذكور بجملة لها أكثر من قراءة،وهي قوله:(وللعهد عندي معناه) إحدى هذه القرآت وهي أنسبها للمقام هنا أنه عنى بذلك ما ورد من حث في القرآن الكريم على الوفاء بالعهد وغيره من حقوق الآخر حيث قال جل من قائل:﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون﴾ ﴿ وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا﴾.

   والعهد لغة: العقد والموثق واليمين:مترادفات، فهو التزام مؤكد يأخذه المرء على نفسه أو مفاعلة مع غيره، والوفاء به واجب ودليل استقامة وانضباط، وعدم الوفاء به معصية ودليل خبث ونفاق، فهو محك يميز الخبيث من الطيب، ومن المهم أن يجسد في وثيقة مكتوبة كما هو الحال في (تعهداتي) يرجع إليها لمعرفة مدى التزام الجميع بتعهداتهم فالوزراء مسؤولون أمام الرئيس عن الوفاء بما التزموا به والرئيس مسؤول أمام الناخبين الذين بايعوه على تـلك التعهدات ، وحبذا لو تم تفعيل نظام العقوبة والمكافأة( ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )  .

   نجح المرشح في الشوط الأول بنسبة اثنين وخمسين في المائة على ذمة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وإن شكك وطعن منافسوه لكن الدستوري:لم يعتمد طعنهم ولم يك نجاحه مستغربا لجملة من الأسباب لا ضرورة لذكرها هنا تجنبا للإطالة.

    وتضمن خطابه لدى تسلمه مهامه إضافة نوعية حيث وعد بأن يكون رئيسا للجميع وتلك لغة جديدة في قاموس الرؤساء الموريتانيين رغم وجاهتها في المناصب العمومية جميعا وإن لم تكن مستغربة من رجل نشأ في بيئة سيادة اجتماعية ومشيخة صوفية لابد أنه تزود من قيمها بما يسمو به عن التخندقات والاصطفافات الضيقة والانتصار للذات ونزعة الانتقام أصالة من تربيته أحرى وهو في موقع رئيس الجمهورية .

   وشكل السيد الرئيس حكومته بعد مخاض طويل طولا لافتا ما حدى برئيس الجمعية الوطنية أن يتهكم عليه في تغريدته المشهورة، وجاءت هذه الحكومة خلاف توقعات أباطرة الأغلبية وربان الحملة حكومة كفاءات أو خبراء في شقها المعين كما قيل، وأبقى على بعض من كانوا في حكومة سلفه لحكمة ما ، فكثر القيل والقال .

     ولدى اجتماعه الأول بحكومته قام السيد الرئيس بتوزيع برنامجه الانتخابي (تعهداتي)على السادة الوزراء وأخذ عليهم موثـقا بالعمل على تنفيذه كل في ما يعنيه خلال مأموريته، وألزمهم تبعات تسييرهم سلبا وإيجابا ، ووعدهم بتوفير الوسائل اللازمة لإنجاز عملهم وعدم التدخل في شؤون تسييرهم .

    هذا ما حدث به الوزراء أنفسهم وكان محل استحسان الكثير من المحللين والمعلقين والمهتمين بالشأن الموريتاني لما فيه من مأسسة الدولة وتيسير العمل فهو أدعى لإنجاز المهام وإدراك الأهداف في الآجال المناسبة إذا خلصت النيات وتضافرت الجهود .

   كما فهم من هذه الخطة تحلل لبق من حكاية النهج التي كانت لازمة لا غنى عنها في خطابات ساسة الأغلبية كما تصم الرجل بتبعية غير ملائمة لرئيس منتخب .

   ذلك عرض اقتضاه تأطير الموضوع مستخلص مما يتداوله رجل الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي فهو على مسؤوليتهم .

  هكذا إذن تسلم الوزراء حقائبهم وهكذا استلموها في جو مشوب بالقلق: معارضة تندب حظا متعثرا في مطبات ممارسات سياسة موصوفة ، وأغلبية مغاضبة لخيبتها من عدم الظفر بالحكومة أو بنصيب الأسد منها على الأقل ، وشعب سئم المنتخبين والانتخابات فما عاد يعلق عليها أملا،وكساد هو سيد الموقف في الأسواق ، وندرة للسيولة عند أي كان إلا من ظفر بمفتاح من مفاتيح قارون﴿إنه لذو حظ عظيم﴾ ووضع إقليمي متداعي وقوى استعمارية متربصة .

   في هذا الجو المكفهر استلم الرئيس مهامه وفيه شكل حكومته على أنغام سنفونية النهج، وتأسيسا على تعليماته والتزامات السادة أعضاء الحكومة أشـاح معالي وزير الصحة عن وجهه كرائد إصلاح لأحد أهم قطاعات التنمية الوطنية وأكثرها جمهورا وأشدها فسادا ، حيث دشن حملة شرسة غير مسبوقة في قطاعه: بدأها بزيارات اطلاع وتفقد ميدانية للمستشفيات والمراكز الطبية والمستوصفات تعرف خلالها على أوضاع هذه المنشآت الحيوية وسبل تحسين أدائها واتخذ من الزيارات المفاجئة وسيلة ضغط على العاملين بها وما لبث أن أجرى تحويلات واسعة في القطاع ، ثم توجه صوب الصيدليات وباعة الأدوية فأوغل في الجميع تفتيشا وتدقيقا كشف من خلاله عن كميات معتبرة من الأدوية منتهية الصلاحية والمزورة وأتلفها وعمد إلى قانون قديم للصيدليات معطل يقضي بإبعادها 200م على الأقل عن المستشفيات والمراكز الطبية وأن لا تكون أي صيدلية أقرب لجارتها من 200م كذلك.

    تفاعل الجمهور مع هذه الإجراءات عموما بكل أريحية وبمنتهي الحماس والتهليل وأشاد بها المدونون حتى الشعراء، غير أنما يؤخذ على معالي الوزير بشأن هذه الإجراءات  هو الطابع الارتجالي لحملته تلك.

   حيث لم يتخذ إجراءات احترازية حتى لا يتضرر المواطن المريض المستهدف بهذه الإجراءات ومن تبعات ارتـداداتها وهو ما حصل بالفعل فقد أصبح كثير من الأدوية الحيوية نادرا في السوق بل معدوما في بعض الحالات منذ عدة أشهر وخاصة أدوية الأمراض المزمنة التي ترتبط بها صحة كثير من المواطنين.

   ثم إن القانون الذي طبق على الصيدليات والقاضي بإبعادها عن المستشفيات والمراكز الصحية وإبعادها عن بعضها البعض لا تبدوا الحكمة منه جلية إن وجدت أصلا ، ولعل إلغاءه كان أقل ضررا من تفعيله.

      فقد كانت هناك أسواق صيدلانية كبرى غنية بالأدوية بأسعار تنافسية بجوار معظم المنشآت الصحية يخرج المريض أو مرافقه بوصفته فيجد دواءه عند الباب في هذه الصيدلية أو تلك أو التي تليها وإن لم يجده في هذه السوق وجده في سوق أخرى وأسواق الدواء بعدد المنشآت الصحية أو تزيد .

  أما وقد تناثرت الصيدليات في غيابات المدينة وشح الدواء فقد غـلت الأسعار وأصبح صاحب السيارة يجوب أرجاء العاصمة دون أن يظفر بحاجته من الدواء وإن ظفر بها كانت غالية الثمن فما بالك بالمريض العاجز الذي ليس له مرافق، ولو كانت الصيدليات الداخلية للمنشآت الصحية غنية بالأدوية لهان الأمر ، لكنها ليست كذلك ، ومعالي الوزير أدرى .

   ولاشك أن خدمات المستشفيات والمراكز الصحية تحسنت كثيرا بشهادة معظم المترددين عليها ولاشك أن معالي الوزير بذل جهودا جادة وفعالة أشاد بها الجميع ولكن العمل البشري لا يخلو من ثغرات دائما .

  بارك الله في وزيرنا الممدح وأعانه على أداء ورعاية أمانته على أكمل وجه ﴿وذلك على الله يسير﴾  .

يـنــذيـر لا تـــول     واصـل لصلحــات

               وأرع عـنك لا تخــل       خـبـر العـيـدات  

 

                                                                                                                       

28. يناير 2020 - 1:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا