لقد ظل الشيك مثار العديد من الإشكالات لارتباطه في الواقع بالمعاملات الاقتصادية والمبادلات التجارية في مختلف بلدان العالم ، والتي كلما ازدادت تطورا وتشعبا كان انعكاسها اكثر تأثيرا علي الشيك بوصفه آداة للوفاء ووسيلة ناجعة لخلق الانسيابية المطلوبة في الدورة الاقتصادية .
فبقدرما تخلفه تلك الممارسات من آثار سلبية بقدرما تتصاعد الأصوات المطالبة بالحد مما تمت إحاطته بالشيك من ضمانات أصبحت تشكل في الواقع خطرا فعليا علي المعاملات الاقتصادية بفعل ما يصدر عن المتعاملين عن افعال تعبر بوضوح عن طموح زائد في التربح بشكل غير مشروع وبفارق يفوق التصور في بعض الاحيان بين حقيقة ما حصلت عليه المعاملة وواقع ما يجب ان يدفع في المقابل من اموال ، يعد الشيك الضمان الوحيد لسدادها بعيدا عن الخضوع للإجراءات المعهودة للتعامل ورقابة المصالح المالية المختصة .
وهي ظاهرة سجلت في السنوات الاخيرة إنتشارا كبيرا علي المستوى الوطني أدت الي ارتفاع القضايا المتعلقة بجرائم الشيك المنشورة أمام المحاكم وخلقت إرباكا شديدا في المعاملات بفعل ماخلفته من سيولة وهمية دفعت بالمشرع الموريتاني في أكثر من مناسبة الي إعتماد العديد من الترتيبات للحد من تلك الظاهرة لعل من أهمها ما نص عليه من عقوبات في المادة 964 من القانون رقم 2000/05 الصادر بتاريخ 18 يناير 2000 المتضمن المدونة التجارية والتي حدد من خلالها عددا من المستهدفين بتلك العقوبات بما في ذلك من يأخذ الشيك علي سبيل الضمان ، الا أن تلك الترتيبات لم تساهم في التخفيف من حدة تلك الظاهرة نظرا لغياب آلية واضحة لتحديد معيار يمكن الاستناد عليه في إثبات عنصر الاحتفاظ بالشيك علي سبيل الضمان ، الشيئ الذي دفع بالمشرع الي استحداث بعض الترتيبات من خلال ماقام به من تعديلات بموجب القانون رقم 2015/032 المعدل والملغي والمكمل لبعض أحكام المدونة التجارية .
إلا أنه بمرور مايقارب خمس سنوات علي دخول تلك الترتيبات حيز التنفيذ لم يسجل أي تراجع في مؤشر تلك الظاهرة مما أصبحت معه حتمية اللجوء الي الغاء جرائم الشيك العلاج الوحيد لتلك الظاهرة وهو ماتجلي فيما عبرعنه معالي وزير العدل في البيان الذي قدمه أمام مجلس الوزراء بهذا الخصوص .
ومع ذلك لابد للاقدام علي هذه الخطوة أن يأخذ في عين الإعتبار المحافظة علي الثقة في التعامل بالشيك والطابع الإئتماني له المستمد بالاساس مما تمت إحاطته به من حماية قانونية تتركز في جوهرها علي ما وفره المشرع من ضمانات جزائية كانت في الواقع وراء ما أسهم به الشيك من حماية للاقتصاد من التضخم النقدي وتزايد في حجم وانسيابية المعاملات والمساهمة في خلق المناخ المنشود للاستقرار الاقتصادي في ظل إنعدام وسائل الدفع الحديثة كالبطاقات المصرفية والإئتمانية .
وهي كلها أمور تتطلب خلق تشاور واسع مع القائمين علي السياسة النقدية بالبلد والفاعلين في مجال البنوك قبل إجراء التعديلات المنشودة علي الترتيبات المتعلقة بجرائم الشيك سعيا لإيجاد صغة مقبولة من شأنها المحافظة علي الاهداف التي شرع من اجلها الشيك والقضاء علي مارافق ذلك من آثار سلبية علي المعاملات الاقتصادية .