الشموخ و العزة و الإحترام و التقدير و المشاعر الجياشة كُلها أمور لا مكان لها في السياسة و لا تَبحث الدول عنها كقيم يجب الإحتفاظ بها فالسياسة بحرُُ من التناقضات و البحث عن المصالح فالسدود و المصانع لا تُبنى بالمدح و لا بالتبجيل و فُرص الشُّغل لا تُخلق بالتباهي بالتمسك بأصول الكرم و لا بحُسن الضيافة.
لقد ظل الكثيرون من حولنا يتعاملون وفق مبدء الترابط بين المصالح و المبادئ السياسية و يسعون لتعويض نقص الموارد ببيع المواقف السياسية و التخندق تارة هنا و تارة هناك دون الحفاظ على موقف سياسي إقليمي أو دولي غير مرتبطين به و لا تمسهم تغييرات وضعه بسوء.
إن سياسة الحياد في عالم مجنون كعالم اليوم و الإلتزام بمسافة واحدة من جميع التكتلات هو تغييب للبلد و إعلان باكتفاءٍ بالنفس و منهج يترتب عليه الكثير من ضرورة امتلاك القوة الاقتصادية و السياسية غير المتوفر و غير الممكن حتى عند أقوى الدول و أكبرها نموا و تطورا .
إن أي حكومة تُريد مواجهة المصاعب و تخفيف الأعباء يجب عليها أن تتعامل بمنطق العصر و تفهم أن الحصول على الإستثمارات الخارجية و توقيع مذكرات التفاهم لا تُقدَّم بالمجان و عليها أن تمتلك الجرأة لتحمل مسؤولياتها في اتخاذ قرارات تعود عليها بالنفع و أن تتيقن أن خزائن الدول المانحة لا تُفتح للمُتخاذلين و أن بُلدانها ليست مؤسسات خيرية لدعم الفقير و المُحتاج .
لقد خلطت الحكومات المتعاقبة في بلادنا بين الشؤون الدولية و العلاقات الدولية و تعاملت معها على إستحياءٍ بنفس المعايير و لم يتم الإكتراث بالعلاقات الرسمية للأفراد العابرة للحواجز السياسية مما أدى إلى افتقاد الدولة على مر تاريخها لدبلوماسية رجل الأعمال و الفنان و أصحاب العلاقات كفاعلين إقليميين و دوليين مما دفع بعض الهيئات و الدول و المنظمات إلى الإستعانة بهم وحجز مواقفهم و تنمية علاقاتهم و الإستفادة من قُدراتهم كأصحاب قوة و نُفوذ و مكانة و تأثير .
لقد تغيرت القواعد و أصول التعامل فلم يَعد الكلاب وحدهم من يَفِدون الى الولائم دون دعوة.