لا يختلف اثنان اليوم على أن البلد يعيش حالة مخاض غير مسبوقة جاءت نتيجة استماتة في مقاومة فساد إدارة الدولة و التجاذب الإديولوجي و معاركه التي لا تقل تأثيرا و سلبية عن غيرها في الحيلولة دون إشاعة جو من الانفتاح السياسي والتطور الديموقراطي.
لقد أرسلت الحكومة رسائل اهتمام لا يصعب فهمها على المُتلقي الذي تفاجأ بسرعة التغيير في طرق التعامل مع الأحداث و إشاعة روح التضامن بين الحاكم و المحكوم و قد بدأت بإنكماش للمشروع السلطوي و بداية بلورة لخطاب التوافق السياسي كآلية مهمة للتعايش و لعب الأدوار حسب القانون المنشئ لها.
الشعب لا يريد إسقاط النظام لكنه لا يريد أن يُحس أنه يعيش مقولة ابراهام لنكون
" في الماضي كانت تُمارس علينا سياسات التجهيل أما الآن فإننا نُمارس على أنفُسنا سياسة تصديق كل الخداع الإعلامي و النتيجة واحدة "
فسنوات الحيف و الانتظار خلقتْ في نفوس الناس استعدادا لا مثيل له من قابلية تصديق كل شيء و توسيع دائرة الأمل إلا أن تعاقب الصدمات جعلت حدود صبره تضيق و تصديقه - عن قصد - لكل ما هو آتٍ عملية محدودة بقدر ما يمتلكه من زاد و مُؤونة .
على كل حال على الشعب أن يحمي أمله ما دام قائما خُصوصا أن نور الفجر قد أطلْ ليس بالحسابات السياسية بل بحساب معايير المنفعة و الاهتمام فقد أصبحت الحكومة تواجه الكوارث و غضب الطبيعة و عناصرها المدمرة و كذا الحرائق و تجود على المريض و صاحب الحاجة و هي خطوات تستحق منحها وقتا للتدبير و التخطيط و تنويع الموارد و هي سنن كانت مهجورة في العهود الماضية باختلاف مشاربها .
إن سياسة المُكاشفة و ضمان حق الحصول على المعلومة هو مؤشر الديموقراطية الحقيقية فإذا أرادت الحكومة بشكل جاد أن تمضي في تنفيذ فصول " تعهداتي " عليها أن تبتعد عن مفهوم اعتبار المواطن خصما بل يجب إعتباره شريكا و أن تعترف بحقه في معرفة كل ما يتعلق بسلطته الحاكمة و أن يعرف مقدراته الوطنية و كيفية التصرف بها . اننا نحتاج من جديد الى بناء ثقةٍ ظلت معدومة في الماضي و أن نعلم أن الشعب و الحكومة طرفين لمُعادلة واحدة تبحث عن قيمة لمجهول ضائع
يجب أن لا نيأس و لا نكون تصديقا لمقولة هيلن كلير : نحن لسنا أحرارا و ديموقراطيتنا ليست سوى إسم
فما معنى أن ننتخب فكُل ما نفعله هو الإختيار بين ناكر و نكير .