المنظومة التربوية و آ فيون الفساد الممنهج / السيد ولد صمب انجاي

 التعليم مفتاح تطور الدول ولذلك فتقدم الشعوب اقتصاديا وتكنولوجيا ؛ وثقافيا لم يكن ليتحقق إلا علي أنقاض نهضة علمية  متطورة وشاملة ؛ فلم يكن في قاموس تلك الدول التي وصلت الفضاء ما يعرف بالفساد التعليمي 
كمعوق في وجه التقدم والتطور العلمي والتكنلوجي ؛ ولهذا 
تعتمد أغلب دول العالم في تقدمها وتطورها وازدهارها على التعليم ، اذ يمكن قياس مدى تطور وتحضر البلد عن طريق معاينة نظام التعليم المطبق فيه ؛  من حيث نوع المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات ونسب المشاركين فيه  ولنا في اليابان انموذجا حيا و التي تهتم بالكادر البشري وتكوينه وتسليحه بأرقى أنواع المعارف ؛ وهي الدولة التي لاثروة اقتصادية لديها ؛ وإنما تعتمد على ثروتها  البشرية  وتهيئتها والاستثمار فيها .

ولذلك تخصص الدول التي تريد اللحاق بالركب الحضاري أضخم قدر من ميزانياتها للتعليم ومحاولة تقويته  وتحصينه من كل ما يضعفه ويهدد كيانه وخاصة مرض (( الفساد )) الذي اخذ يجتاح أغلب دول العالم ، ولم تسلم منه المؤسسات التعليمية والتربوية التي يقع على عاتقها مهمة  تنشئة وتربية الأجيال .

ويعد الفساد والتسيب داء  العصر الحديث ، كم أنه يعتبر من الآفات التي تهدد كيان المؤسسات الحكومية في أي دولة من دول العالم ، اذ أصبح الفساد ( ظاهرة عامة وليست خاصة ) ، ولكن بنسب متفاوتة تختلف من دولة إلى أخرى ، الأمر الذي يعمل على زعزعة مصداقية المؤسسة التي ينتشر فيها وإستنزاف ثروات البلد وإثقال كاهل المواطن بالديون الخارجية  وبالتالي إعاقة عمل الحكومات وغيرها من الآثار السلبية التي يسببها ؛ لكن مكافحة هذه الظاهرة ليست بالمسألة الصعبة ؛ بل وليس أمرا مستحيلا إذا ما توفرت الرغبة الحقيقية والجادة للإصلاح والتغيير البناء ؛ فالأمم لا تقوم ولا تنهض إلا على أساس التقدم العلمي ؛ ويقال إن من أراد القضاء علي أمة ما ومحوها من خارطةالعالم ؛ فلا يلجأ الي تدميرهاعن طريق السلاح ؛ وإنما يكفيه فقط تخريب تعليمها والعمل علي فساده ؛ ومما يساهم أيضا في تدميره وتخريبه تسييس العملية التربوية؛ والتغيير المتواصل لتغيير السياسات حسب تغير الأنظمة؛ وهو ما يساهم بشكل كبير في تعثر وإجهاض كل ما من شأنه إعاقة  تقدم وتطور  هذا القطاع الحيوي .

فلقد كان لتغيير الأوجه الحاكمة في البلاد نصيب الأسد في تجذير الفساد ؛ ذلك أن تغير الوزراء المشرفين علي القطاع ساهم هو الآخر في تفاقم ظاهرة الفساد؛ فكلما جاءت أمة لعنت أختها ؛ مدفوعة بالحجة الواهية المتمثلة في الاصلاح المنشود ؛ دون مراعاة متطلبات حاجة المجتنع ومكرسة  إعمال مبدإ المحسوبية والرشوة والقرابة والانتماء النقابي والسياسي العشائري القبلي ؛ والخضوع لضغط نفوذ مافيا الأعيان والوجهاء والشخصيات المدنية والعسكرية؛ وذلك كله علي حساب المساواة أمام القانون ؛ وخرق سافر لجميع النظم والقوانين والأعراف ؛ إضافةإلى ذلك نجد نوعا من الفساد في الحقل التعليمي يتمثل في عدم تسريع التعويضات المستحقة لبعض أطر هذا الحقل والترقية في السلم والرتب ؛ فيما نجد في المقابل التعاطي بشكل جدي الي تعليق او اقتطاع أو عزل وخلع بعض الموظفين؛ وإذا ما تم تعليق أحد موظفي هذا الميدان فان رفع التعليق عنه يتطلب رحلة الشتاء والصيف الي العاصمة ؛ ليرجع على عقبيه خاوي الوفاض أحيانا  ؛ ومما يساهم في الفساد لهذا الحقل تفشي ظاهرة الساعات الخصوصية التي تساهم في تدني المستويات وتعتبر رافدا أساسيا لزيادة عبء تكلفة التعليم باعتبارها مشكلة ذات أبعاد متشابكة يمكن أن تعزى إلي تراجع وتدني الأجور ونوعية المناهج وأساليب طرق التعليم المعتمدة فى مدارسنا وكذلك حالة التواطؤ المجتمعي على الظاهرة وعدم الشجاعة على مواجهتها والتصدي لها بعزم وحزم ؛ هذا الغول المستفحل ( الساعات الخصوصية) في القطاع ؛ وسكوت وتمالؤ المسؤولين معهم هو السبب الرئيس في تدنى المستويات خاصة من فئات الكادحين الذين لا يستطيعون مسايرة التطور الدراسي في المدارس الخصوصية؛ فيضطرون على مضض الى مغادرة المدرسة؛ حيث الانحراف والجريمة والرذيلة تنتظرهم على حر من الجمر  ؛ كما لانتغاضى هنا عن الإشارة الى ظاهرة أخرى اكثر فسادا ألا وهي ظاهرة الغش الذي عمت به البلوى في الاونة الأخيرة ولقد حظيت المدارس الخصوصية بنصيب الأسد؛ كما يرجع لهم ظاهرة إنتشار العنف والتعاطي للمخدرات بشتى أنواعها ولم تسلم منها العمومية التى اكتوت بشرارة لهيبها .

وعود على بدء نرى أن المدارس الخصوصية لاترى في التعليم غير الربح السريع وبأقل تكلفة ممكنة ؛ إن عالمها هو عالم التجارة المربحة على حساب الجودة ؛ أي تغليب الكم على الكيف وهو ما دأبت عليه كل المدارس الخصوصية؛ وبصورة خاصة بعد استفادتها من توالى الإضرابات في القطاع العمومي ؛ بسبب عدم استجابة الحكومة لمطالب المضربين وهو تشجيع صامت لذوي التلاميذ كي يسجلوا أبناءهم بالخصوصية لاتقاء شر الإضراب ويتجاهل هؤلاء المضربون أنهم ليسوا أولئك الذين يدرسون بالمدارس العمومية وأن الدولة هي من كان لها الفضل فى تكوينهم ؛ ويمكن إرجاع أسبابه إلى مايلي : 

* عدم توفر العديد من المسؤولين على مواصفات القيادة وبقائهم مدة طويلة في المؤسسات التى يشرفون عليها .

* غياب المساءلة والمحاسبة وضعف الرقابة وعدم وجود رادع قوي ضد الفاسدين وعدم الجدية في تطبيق القانون .

* انخفاض أجور ورواتب العاملين في الميدان .

* الروتين والبيروقراطية الذي أدى الى أن تتحول مهنة التدريس من رسالة سامية ونبيلة تعنى ببناء وتنشئة  الأجيال؛ إلى مجرد حرفة كباقي الحرف يمتهنها كل من هب ودب وتحول التعليم إلى مجرد سلعة .

* عدم الثقة في عدالة النظام التعليمي بسبب غياب المساواة وتكافؤ الفرص .

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أنوه بالخطوات الجبارة التي تننهجها الوزارة الوصية ؛ وإن كنا نطمح إلى تسريع وتيرة  الإصلاح بغية تحقيق  الأهداف ؛ وأن يعمل كل منا حسب موقعه  للمساهمة فى تحقيق ما نصبو إليه؛ ولن يتأتى ذلك ؛ أو يتحقق من خلال الحلول الجزئية والترقيعية ؛ بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكلتها إلى العنصر البشري العامل في الحقل وصولا إلى أساليب العمل التى تساهم في الرفع من منظومتنا التربوية. 

 

8. فبراير 2020 - 18:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا