حسب التجربة الطويلة التي مارست فيها مهنة التدريس ، و معايشتي للإصلاحات، و الإرهاصات التي انتابته منذ نشأة الدولة ، و سأحاول أن أوجز ملاحظاتي على التعليم تشخيص واقعه ، على النحو التالي :
1- عانى التعليم من السياسة ، فكلما تغيرت السلطة ، تم تقديم مقترحات حول الأهداف و طرق الإصلاح ، لكن الوزارة، بدل الاستشراف و تحضير المصادر البشرية و الإجراءات اللازمة لتنفيذ الطلب ، تقوم يتكييف المتاح بطريقة ارتجالية ، تؤثر على مستوى التطبيق و تخفض من مستوى النتائج .
2- يؤثر ضعف دخل المدرسين على الأداء مما يدفعهم للبحث عن وسائل أخرى للعيش، قد تكون بالسعي بطرق زبونية للتفريغ، أو الاستغلال البشع لطاقاتهم الجسمية، مما يؤثر على الأداء و التحضير و الإبداع .
3- تتوزع على تسيير التعليم خمسة عشر إدارة جهوية ، تتكون كل واحدة منها من خمسة مصالح، و بكل مصلحة أقسام ، وهذا الطاقم لا مردودية له على التعليم ، فقد انحسر دور الإدارات على تسهيل حركة المدرسين و توصيل الرسائل للجهات المركزية، و هي مسألة قد تكون سلبية ، لأن الاستقرار مساعد على الإنتاج. و إلى جانب الإدارات الجهوية ، و التي ستضرب في اثنين بعد فصل الوزارات المعنية ، هناك الإدارة المركزية التي تتكدس فيها أعداد كبيرة من الأشخاص، لا يمارسون ، في اغلبهم ، اي نشاط ذا مردودية تربوية ..
4- يغيب دور المتابعة و التقييم ، فلا دور يذكر عن مفتشيات التعليم و المفتشين ، فلا البرامج مراقبة ، لا أداء الأساتذة كذلك ، لكنها مجال لتعطيل الكثير من الكفاءات، و لو أن الوزارة أوكلت تدريس ست ساعات لكل إطار تعليمي ، لغطت ربع الحاجة من المدرسين .
5- المعلومات التي تقدم للجهات المركزية ، من حيث أعداد التلاميذ و الفصول و استغلال المدرسين غير دقيقة ، فالمغالطة لها دور في الميزانيات و تغطية الغياب . كما أن طاقم التأطير في المؤسسات كبير دون مردودية . و قد شهد مآرب العاصمة في الأسبوع تدفق طواقم المؤسسات التعليمة ، تحت التغطية، للعودة أيام الإحصاء ، في مشهد يعبر بجلاء عن فوضوية القطاع و غياب المراقبة . و لو أن الإدارات الجهوية قضي عليها ، و فعل دور الحاكم و الدرك لتغيرت النتائج .
6- البرامج المقدمة في السنوات الدراسية مجتها الآذان و تحولت إلى مواد معلبة تقدم بنفس الطريقة منذ عقود ، و يتم توارثها ، بمعارفها و مهاراتها ، بطريقة نمطية تقتل الإبداع ، و لا تؤثر في سلوك و مستوى المتلقي .
7- الإمتحانات الوطنية لم تعد تعبر عن المستويات ، بل تحولت إلى آلية و نمطية واحدة ، تعاد و تكرر كل سنة، يبدع فيها متقن التلقين ، و تغيب فيها المعارف و المهارات بمفهومها التربوي ، لتتحول العملية التربوية إلى عملية شحن و تفريغ. و يشهد تصحيح الامتحانات فوضوية عارمة لغياب المهنية و الروح الوطنية .
8- تحولت المدارس الحرة إلى مؤسسات للإشهار، تغزو فكر المراهقين و ذويهم ، و تجعل منها قبلة للتلاميذ ، فتتكدس الاعداد دون رقابة، في قاعات هي في الواقع غرف منازل، و قد فشلت الوزارة في متابعة و تنظيم هذا القطاع، و هو يحتاج لمسؤول يرفع له شعار (فلان لا اتويلي) ، و تجب مراقبته و تطبيق القوانين فيه ، و استحداث قوانين تحدد إعداد التلاميذ ، و أعداد الساعات المستغلة من المدرسين، فلا يعقل أن يدرس مدرس 18 ساعة في التعليم العمومي و ما يقارب ال30 ساعة في الخصوصي، مع حصص التقوية و حصص المنازل ، فأين هو أوقات الراحة و أوقات التحضير و أوقات التصحيح .
8- من أكبر المشاكل في التعليم هو تسيير المصادر البشرية، ففي حين تتواجد الكفاءات بأعداد تزيد على الحاجة في العاصمة و بعض المدن ، تعاني الولايات الداخلية من النقص في الأعداد و الكفاءة ، و ينقضي جل السنة ، في البحث و انتظار العقدويين ، مما سبب هجرات كبيرة للعاصمة، و من المعروف أن الضحية هي الفقراء و الطبقات الهشة التي لا تستطيع التنقل ، و تبقى تحت رحمة الحاجة و الرضى بالمتاح..
سيحتاج وزير التعليم لإرادة و تصميم و مستشارين استثنائيين، للتغير من واقع التعليم الذي أصبح متدنية لدرجة ان المدرسة أصبحت غير مأمونة في تربية التلاميذ ، و ضمان تكوينهم العلمي و الفكري..