متحف الحب ( خيال ×خيال ) / بابه ولد أربيه 

في موريتانيا شعب رقيق الأفئدة يقدر الحب ويقدس العشاق .

من تمسك الموريتانين بتراثهم الغني بقصص العشاق وآهات المحبين أن وزراة الثقافة أنشأت متحفا على شكل قلب صممه أحد عباقرة هندسة العمران الموريتانين لتتزين به نواكشوط كما تتزين باريس ببرج ايفل وروما ببرجها المائل ولندن بساعتها العتيقة .

عند باب هذا المتحف تقف مضيفات مبتسمات من كافة أطياف الشعب الموريتاني يتحدثن معظم لغات الدنيا ويتقن فن الإيتكيت .

رافقتني في زيارتي للمتحف إحدى المضيفات ، سمراء نحيفة من كيهيدي تتحدث لغة ابي الطيب المتنبي بطلاقة .

في الجانب الأيمن من الباب لفت نظري تمثال شمعي لشاب أسمر تظهر قسمات وجهه ذكاء مغلفا بجرأة زائدة ، ومن فمه تخرج دخان سلك من " أمنيجة " .

قالت لي دليلتي هذا ول محمدي وهو يدخن من " أشروط " شيخ الشعراء امحمد ول الطلبة حين قدم عليه في إحدى المحاظر ، حينها طلب ول محمدي من ول الطلبة أن يدخن من عنده فسأله ول الطبلة : هل أنت زواي أم عربي ؟؟ أجاب ول محمدي : " أنا زاوي " رد ول الطلبة : " أنا هذي السن من الزوايا منها ما كط كال بيت من الشعر ما انكميه فكانت مرافعة ول محمدي : 

فيمن أهيم بها لاموا ولو هاموا = فيمن أهيم بها يوما لما لاموا

هام الفؤاد بمن لولا ملاحتها = ما سفّهت من ذوي الأحلام أحلام

هام الفؤاد بخيت الناس بحت بها = إذ في الكنايات تلبيس وابهام.

ثم استرسلت دليلتي تتحدث عن خيت الناس فتاة " لمرادين " الشهيرة التي ذاع صيت جمالها من تمبكتو الى كرمسين وكيف ملكت قلب ول محمدي الذي اعترف بذلك إذ يقول : 

مـا ذاق قـلب مـحـب مـن هـوى العين ::مـا ذاق قـلبـى مـن احدى المرادين .

قاطعت مرشدتي ممازحا : " هل دخن ول محمدي من أشوط ول الطلبة " فأجابت : " نعم عند سماع ول الطلبة للأبيات ناول ولد محمدي مباشرة عظمه وقال له : " الحمد لله اللي مانك ف دهري " .

غادرنا ولد محمدي ينقث دخانه التي حصل عليها بإستحقاق لنتوقف عند تمثال شمعي آخر لشاب أسمر بهي الطلعة تظهر ملابسه مدى الدلال الذي عاش فيه عندها قالت لي دليلتي ممازحة : أتمزرَ عن صيد إيداشغره ! فعرفت أنها تقصد ول ابنو ول أحميده .

علقت فتاة النهر بلسان عربي مبين على ول أبنو بقولها : 

" هذا عاشق آخر قد خلد حبيبه البتول في ديوان الشعر الشنقيطي إذ يقول : 

بلغ سلامي إذا جئت البتول لها = وقل لها إنها أغرت بي الولها

وأنني مذ نأتني مغرم دنف = لم أسل لم أله إن غيري سلا ولها

إني لآمل منها أن تنولني = لأن منية نفسي أن تنولها

يا ليت شعري هل لي بعدما بعدت = وصرمت من حبال الوصل أحبلها

إلمامة بنواحيها وجيرتها = حتى أعلل نفسي أن أعللها

إن البتول لها في القلب منزلة = ما حلها قبلها من حل منزلها.

تجاوزنا بسرعة صيد ايداشغره لنجد تمثالا شمعيا آخر لشيخ وقور يبكى وقد اجتمعت عليه نسوة يعذلنه على البكاء فقالت لي دليلتي هذا ول سعيد ول عبد الجليل يبرر سيل دمعه على محبوببته منت البار فيقول : 

حد اكصرلِ ذالدهر اكَـطارْ==== = الدمع ْاعل دار امبطارْ

حكْ انْ ذاكْ اعلَ مثلِ عارْ ===== ؤيكدر يكصرْ حدْ اتواسيه

غيرْ اكطارْ الدمع اعل دارْ==== = امبطار ابلا غرظِ فيه

فالحك ان متفقد ش ===== فم اعييت انراه ابديه

ويتم اادمع الا يمش==== = ماهو كاع آن لمشيه .

تجاوزنا الشيخ الباكي الى الأمير الواقف بشموخ فقالت مرافقتي هذا الأمير البطل سيد أحمد ول أحمد عيده يناجي حبيته الفاتنة فيقول : 

راصى يبمب صرتك يمنين امعاك اداسر

دنو ينعت من عزتك ياسر ويدرك ياسر .

ثم استرسلت تلك السمراء فقالت هل تعرف بمبه إنها تلك الفاتنة التى ملأت قلوب وأعين راجالات الصحراء فهي بمبه منت البندير التي لبست ذات عيد ملحفة من النيلة فخُلد ذلك شعرا : 

لبست منت البندير احزامْ :: عشرين امن الذرعَه تتهاز

واعليانََ بعد أبلحرام :: يذاك ألَّ عادْ التخبازْ .

انتهت فترة زيارتي للمتحف دون أن أصل الى ثمنه ولكن الموريتانين يحترمون الوقت جدا وهم معروفون بالإنضباط .

خرجت من المتحف لأركب المترو من محطة آفاركو لأنزل في محطة أصويله في بوحديدة حيث تناولت قهوتي عند استاربكس قرب المحطة .

 

15. فبراير 2020 - 13:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا