إنها مقولة لاكتها الألسن؛ حتى افرغتها من شحنتها الجوانية ؛ فلم تعد لتخلو من المجالس الإدارية؛ فهي الاكثر تداولا في عالم الإدارة ؛ والساسة ؛ لكنها بعيدة المنال والتحقق ؛ بل والتطبيق الفعلي على واقعنا المعيش إن هذه المفردة ذات المعاني السامية ؛ لا تستخدم إلا للاستهلاك السياسي النظري ؛ أما تطبيقا فلا شيء يلوح في الأفق للتجسيد العياني لهذه المقولة التي نعشقها حتي الثمالة ؛ لكننا لا نفهم فحواها ومضمونها ؛ باعتبارها تنطوي علي أن اسناد الأمر الى غير أهله تضيع ازاءه حقوق الكل مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة " ؛ بمعنى آخر أنه إذا أنيط برجل في الحصول على منصب ولم يكن أهلا له فسيؤول لا محالة إلى دماره ؛ وكأي من سلطة أدارت ظهرها إلا من رحم ربك رميا بأرض الحائط لتطبيق مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب؛ حيث عملت وتعمل جل السلطات على نكريس التعيينات التى تقوم على أساس القرابة والمحسوبية والجهوية المقيتة ؛ بل والحظوة والزعامات التقليدية الرجعية ؛ لتقضي في نهاية المطاف على روح الجدارة والكفاءة المهنية ؛ والواقع ان الأشخاص يختلفون فيما بينهم من ناحية المؤهلات والقوى العقلية والبدنية ؛ وحتى كيفية أسلوب الأداء وطرائق أداء العمل والوظيفة بالشكل المطلوب تستدعي أن يكون الذي يؤديها يمتلك القوة العقلية والبدنية؛ بالإضافة إلى امتلاكه مهارة التأثير في الآخرين بغية العمل على تحقيق الاهداف المرجوة .
إنه من غير المنطقي أن نضع العالم في وظيفة لا تليق بعلمه وحكمته وحنكته ورجاحة عقله ؛ وليس من المعقولية وضع الجاهل في وظيفة إدارية كي يتحكم فى مصائر الآخرين بلا أدنى خبرة لتسيير شؤون العباد ؛ فهذا ظلم وحيف وافراط وتفريط ؛ إنه سينعكس لا محالة على مؤسسات الدولة؛ ولقد أثبتت التجارب الكثيرة في الحكومات والمنظمات وحتى المؤسسات أن العديد من الانتكاسات والخسائر والمشاكل فى العمل كانت بسبب سوء التسيير الاداري وضعف القرارات وعدم الخبرة في التعامل والتعاطي مع الملفات الحساسة وتسيير الاشخاص ؛ انه خلل لا يعود للمؤسسة فقط وانما من يديرها ؛ فهو لا يتوفر على القدرة والكفاءة بالشكل المطلوب ؛ وهكذا فتقدم المجتمعات مرهون بالاختيار الأسلم حتى لا اقول السليم ؛ بل الأسلم لكوادرها و قياداتها وخاصة في القطاعات الإقتصادية والإنتاجية .
والأدهى من ذلك والأمر هو وجود بعض الأقارب في زماننا اليوم فى نفس الدائرة الحكومية الواحدة في الوقت الذي لا يتم فيه اختيارهم على أساس الكفاءة العلمية والتربوية ؛ ما يتسبب في توسيع الهوة وضياع الحقوق لذوي الكفاءات وانهيار الاقتصاد وزيادة العجز والمديونية ؛ و متسببا في انتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري والسياسي وانعدام العدالة واللامساواة ؛ باعتبار أن الشخص الغير مناسب عادة ما يجلب معه أشخاصا غير مناسبين ؛ وهو ما كرسته جل الحكومات المتعاقبة على البلد المنهك والمرهق باستشراء الفساد الاقتصادي والأخلاقي ؛ فما أحوجنا للتوجه نحو محاسبة ذواتنا وتأنيبها على ما اقترفته في حق هذا الشعب الضعيف ؛ إننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إنزال مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب من برجها العاجي كي نحقق الاصلاح الاداري الذي يعتبر الرافعة القوية لجميع برامج الإصلاح السياسي والإقتصادي والاجتماعي الذي هو ضرورة لا مناص منها .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
كيفه بتاريخ : 18 / 02 / 2020