سؤال الإلحاد (1) / محمد ولد إمام

أيامَ الجامعة انخرطتُ مع زملاء مهتمين بالترجمة في مجموعاتٍ على برنامجٍ للمحادثات الجماعية يُدعى (paltalk)، في البداية بداعي تحسين خبراتنا في اللغة والترجمة، ومن ثمَّ انصرف اهتمامُنا إلى مجالٍ أوسعَ وأهمَّ بكثير، ألا وهو الحوار بين الثقافات المختلفة والمعتقدات المتنوعة، واستهوتني على وجه الخصوص قضيةُ الدعوة في هذا البرنامج، فركزتُ على المجموعات التي تناقش الأديان، وكان عليّ أن أتعلم الكثير من المصطلحات الدينية باللغة الإنكليزية، وكذلك مطالعة الكثير مما كتب المستشرقون والمستغربون إن جاز التعبير، ومتابعة محاضرات علماء أو دعاة الإسلام الذي عاشوا أو يعيشون في الغرب، فهم أكثر قدرةً على استيعاب وفهم العقل الغربي وبالتالي هم أقدر على التأثير فيه والإجابة على استفساراته، فتابعتُ كلَّ ما وقع في يديّ من مسموعات ومرئيات، تتحدث عما جابهنا به الآخرُ من شُبهٍ في التاريخ الإسلامي والعقيدة والعبادات والشريعة (القانون) وغيرها من مناحي حياتنا الإسلامية.
وقد استفدتُ الكثير من هذه المناقشات والحوارات، ولم تعد مسألة اللغة والترجمة هي الهدفَ بالنسبة لي، فقد صار الهدف أعمق وأحرى أن يُبذل فيه الجهد الجهيد، فأنا على (ثغر من ثغور الإسلام)، أنافح عنه، وأُبطل ما نُسج من أباطيلَ وخرافاتٍ من أعدائه، وأحياناً كثيرةً للأسف من البسطاء أو غير المؤهلين من أبنائه، وكان من الغريب عندي متابعةُ أصحاب الشبهات للقنوات الدينية وتسجيل خطب الدعاة فيها خصوصا ممن يخدمون تلك الصورة النمطية stereotype عن الإسلام ولعل من أهم هذه القنوات قناة (Memri TV) التي تقوم على تسجيل وترجمة كل ما يُبث في العالم الإسلامي مما يخدم تلك الصورةَ طبعا، وعندما تُجادل أحدهم بأن الإسلام مثلاً دينُ رحمة وعدالة، جاءك بتسجيل لأحد الشيوخ في خطبةٍ يدعو للقتل أو يشرح الحدود وكل ذلك مجتزأٌ من سياقه تماما ليبدوَّ حجةً لهم.
ومن المهم أن أذكّر بأن هناك فرقاً بين من يسعون للمعرفة ومن يسعون لترسيخ صورة نمطية موجودة سلفاً، والحوارُ مع الفئة الأخيرة غيرُ مجدٍ غالبا، لذلك سأتناول هنا فقط جوانب تحضرني من الحديث والحوار مع مَن يسعون فعلاً للحقيقة، ولديهم استعدادٌ كاملٌ لقبولها..
كما أن العلماء عندنا في الإسلام أقسامٌ كثيرة، ولعل من أهمها حسب تجربتي الأنواع التالية:
1 - عالمٌ تقليدي مقلد لكنه أميٌ في اللغات الأخرى غير العربية وأمي أيضا في الثقافات الأخرى بل أحيانا يكون علمُه محصوراً في مذهب معين أو طائفة معينة، وهذا النوع لا يمكن أن يتحاور مع الآخرين والغالب أنه لا يرى الحوارَ معهم مهماً فلْيظنوا ما شاءوا عن الإسلام، ولنظن نحن ما شئنا عنهم، ولا طالب ولا مطلوب، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهذه النظرة كانت ممكنة نوعاً ما قديما ولكن الآن نحن فعلا في قرية واحدة والتواصل متاح للجميع حتى الأطفال القُصّر، يمكنهم الوقوف على ما يُقال وعلى كل الشُّبه المُثارة، وبالتالي فخيار الانعزال لم يعد ممكنا.
2 - علماء وخبراء في اللغات الأخرى والثقافات العالمية ولديهم فهمٌ عميق لها، ولكنْ لديهم أيضا ضعف شديد في علوم الشريعة الإسلامية والعقيدة، وهم غالباً إما اعتذاريون (apologetics) ينكرون كلما لا يوافق الثقافة العالمية، أو هم لا مبالون "غير دينيين" كما يُقال.
3 - صنف هم من اعتنقوا الدين الإسلامي من الغربيين بعد البحث والتأمل، وهؤلاء لديهم دافع كبير لنشر تجربتهم كما أن لديهم فهماً أعمق لثقافتهم الأصلية وبالتالي فهم يخاطبون تلك الشكوك والاستفهامات التي عند بني جلدتهم، ولكن الغالبية منهم لديها نقص في معرفة اللغة العربية والشريعة الإسلامية.
4 - الصنف الرابع، وهو الأندر هم أشخاص جمعوا بين المعرفة الدينية الإسلامية ومعرفة ثقافة الآخر ولغاته وعقليته، وهؤلاء هم مَن عليهم المعوَّل في تصحيح ما يُشاع عن الإسلام في الغرب خصوصاً والتصدي للدعاية المغرضة ضد الإسلام والمسلمين.
ومن أهم ما لاحظتُه التأثير الكبير لقراءة ترجمة جيدة لمعاني القرآن الكريم، فأغلب من دخلوا الإسلام كان السبب قراءتهم لإحدى هذه الترجمات!

يتبع..

19. فبراير 2020 - 20:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا