يشهد عالمنا اليوم تغيرات متسارعة في شتى المجالات تمثل تحديات كبيرة أمام زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني والدولي من جهة والسعي للوصول إلى أعلى نتائج من خلال تطبيق التكنولوجيات الحديثة من جهة أخرى، ومع انتشار خدمة الانترنت زادت إمكانية التواصل بين مختلف الأطراف والمناطق المتباعدة, ولم يعد ذلك مقتصرا على الشركات والمؤسسات الضخمة ،بل أصبح هذا في متناول الأفراد و ازدادت سهولته مع انخفاض أسعاره.
ومع تطور أنظمة المعلومات والاتصال ،أصبحت هناك ضرورة ملحة لدى الدول لإعادة هيكلة المؤسسات العامة بما يتواكب مع متطلبات الثورة الرقمية التي يشهدها العالم وذلك من أجل تهيئة الاندماج في الاقتصاد العالمي الذي تتزايد فيه حدة المنافسة، والسعي إلى عصرنة الأنظمة الإدارية والتربوية والصحية والاقتصادية ,ومن ثم بدأ التفكير في التحول نحو حكومة الكترونية للتخلص من الأداء التقليدي للحكومات ،ولتتحول بذلك إلى نمط حديث من خلال إدخال التقنيات الحديثة في التسيير الداخلي والخارجي ،حتى يتم تقديم الخدمة في أسرع وقت وبأقل تكلفة.
إن هذا التطور الهائل الذي حصل في تكنولوجيا الانترنت والانتشار السريع للتجارة الالكترونية أدى إلى عقد العديد من المؤتمرات التي تحث على الاستمرار في تبني هذه التقنيات والتطورات و الداعية إلى تحسين إجراء المعاملات التجارية والتسوق عبر الانترنت. وقد استفادت بعض الحكومات والشركات من تكنولوجيا المعلومات في أنشطتها حيث وظفتها في انجاز العمليات الإحصائية والجغرافية مما ساعدها على اتخاذ القرارات في السياسات العامة، وهذا التطور الحاصل في تكنولوجيا الإعلام والاتصال جعل الحكومات تفكر في تقديم خدماتها للمواطنين بالاعتماد على هذه التكنولوجيا ،فظهر مفهوم “الحكومة الالكترونية".
و تعرف الحكومة الإلكترونية على أنها نظام حديث تتبناه الحكومات باستخدام شبكة الإنترنت في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور عموما، ووضع المعلومة في متناول الأفراد وذلك لخلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والدقة و تهدف إلى الارتقاء بجودة الأداء.
وتعد الحكومة الالكترونية الإطار الشامل والمتكامل للتطبيقات الالكترونية في المجال الإداري على مستوى أطراف العملية الإدارية كافة ،وهذا يعني أن تطبيق أسلوب الإدارة الالكترونية الخطوة السابقة لتطبيق أسلوب الحكومة الإلكترونية في الجهات الحكومية.
ترتكز الحكومة الالكترونية على أربعة أسس هي المؤسسية , القوانين و التشريعات, البنى التحتية التكنولوجية و إدارة الأعمال.
و قطعت العديد من دول العالم أشواطا هامة في سبيل الوصول إلى حكومة الكترونية مكنها ذلك من رفع مستوى الكفاءة والفعالية للعمليات والإجراءات داخل القطاع الحكومي و تقليل التكاليف الحكومية و رفع مستوى رضى المستفيدين من الخدمات التي تقدم لهم و مساندة برامج التطوير الاقتصادي.
وموريتانيا كجزء من هذا العالم ليست بعيدة عن هذه التطورات ،فقد تضمنت سياسات الحكومات الأخيرة برامج تسعى إلى الاعتماد على تكنولوجيا الإعلام و الاتصال بهدف بناء مجتمع المعلومات.
و رغم الخطوات المنجزة فإن على الحكومة الموريتانية أن تضافر الجهود من أجل خلق جو من المؤسسية و شفافية الإدارة لكي يسهل التحول بصفة سلسة إلى الحكومة الإلكترونية والتي ستصبح في القريب العاجل ضرورة ملحة و عليها أيضا أن تجهز الأرضية القانونية و التقنية و الإدارية اللازمة لذلك.
ففي الجانب المتعلق بالبنى التحتية يتطلب إنشاء الحكومة شبكة ألياف بصرية واسعة تربط المدن و القرى و توفر سرعة تدفق ضرورية لتطبيقات الحكومة الإلكترونية .
و يهدف مشروع الربط الوطني الممول من طرف البنك الدولي و البنك الأوروبي للاستثمار في موريتانيا إلى زيادة التغطية الجغرافية للشبكات ذات النطاق الواسع و تخفيض تكاليف الاتصال على كامل تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية من خلال إنشاء شبكة وطنية للألياف البصرية و مركز معلومات و نقطة تبادل انترنت، وتوفير بنية تحتية ضرورية للانتقال لأجيال جديدة من الاتصالات، وخصوصا الجيل الرابع، والذي تستعد سلطة تنظيم الاتصالات منذ فترة لبيع رخصه عن طريق مناقصة أطلقتها للمرة الثانية الشهر الماضي.
و بالرغم من مضي ثلاث سنوات على منح صفقة إنشاء شبكة ألياف بصرية لشركة صينية و التي أثارت الكثير من الجدل بعد أن استغرق المنح ثلاث سنوات أخرى و كان من المفترض أن يتم الإنجاز في سنة و نصف إلا أن المراقبين يشككون في قدرة الشركة الصينية على إكمال المشروع.
بالإضافة إلى المعوقات التقنية توجد أيضا معوقات إدارية و تشريعية يواجهها نظام الحكومة الالكترونية، وإذا ما تم تجاوزها، فإن الحكومة الالكترونية سوف تبرز في الواقع العملي و ستساهم في تسريع تنفيذ انجازات فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أكد في برنامجه الانتخابي "تعهداتي" على أنه سيعمل على تنفيذ إستراتيجية لتطوير التقنيات الرقمية، والرفع من مستوى النفاذ إلى الخدمات العمومية ذات الجودة، من خلال برنامج طموح للحكومة الإلكترونية.
و في الأخير نشير إلى أن الحكومة الالكترونية مشروع غير قابل للاستنساخ، أو التقليد لمجرد مواكبة العصر إنما هو نظام يجب أن يقوم على إستراتيجية واضحة تتضمن الأهداف التي تراعي خصوصية المجتمعات واحتياجاتها والإمكانيات المتوفرة.