هل يمكن قيام دولة المواطنة فى ظل سيطرة القبيلة ؟ / السيد ولد صمب انجاي

سأنطلق في مقاربتي لجدليتي الدولة والقبيلة إلى مسلمة تأريخية ؛ والتى تؤكد أن العلاقة بين الدولة والقبيلة هي دوما علاقة تناقض وتصادم ؛ وليست علاقة تكامل ؛ فإذا كانت الدولة هي كيان سياسي قانوني والانتماء لها بالضرورة انتماء سياسي وقانوني ؛ فإن القبيلة هي فى الأساس كيان إجتماعي سياسي ؛ ولذا ليست كيانا قانونيا ؛ والانتماء إليها انما هو انتماء اجتماعي يأتي من خلال علاقة النسب ؛ ومن هذا المنظور فإن القبيلة تعنى جماعة من البشر تنتمى إلى أب وجد واحد ؛ أما الدولة فهي جمع كبير من الأفراد يقطنون بصفة دائمة إقليما معينا وتتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي واستقلال سياسي وذات سيادة .

ويمكن القول  تجوزا  بأن الدولة  فى  نهاية  الأمر  ماهي إلا  قبيلة كبرى  حاضنة وجامعة  للأفراد ؛ تذوب فيها القبيلة الصغرى بأطرها  التقليدية ؛ كي توفر للأفراد ما يحتاجونه من مصالح وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ؛ فاللجوء  إلى القبيلة هو  إحياء  واذكاء  للعصبيات كالمناطقية والعشائرية والجهوية ؛ وبالتالى فحياة الفرد ستكون محفوفة بالصراع والتناحر من أجل سيطرة قبيلة ما على أخرى ؛ ذاك الصراع  الذي هو سر وجود وبقاء  وسيادة  قبيلة  على أخرى ؛ فاذا  كانت القبيلة قد لعبت دورا  أساسيا قبل تمظهر الدولة ؛ أي  فترة  ما قبل وجود  الدولة ؛ أي التنظيمات السياسية إلا أنها اليوم تقف عاجزة عن تلبية ولو جزء بسيط من حاجات الفرد مثلا وجود منشآت تعليمية وصحية ... إلخ ؛  ومن هنا يمكننا القول بأن الدولة لو قدر لها التصالح مع القبيلة وثقافتها وتخرج من عباءة ثقافتها وتقر لها  بالفضل في  زمن ما قبل الدولة لذابت القبيلة  تلقائيا وانتقل  الجميع  الى الدولة  ولأنتفى الصراع  ببنهما ؛ فنحن لا يمكن أن نؤسس دولة على أنقاض النظام القبلي ؛ لأن ذلك لن يصمد كثيرا ؛ خاصة أن البنيات القبلية ترتبط أكثر بالجانب الإجتماعي / العلاقاتى أكثر من ارتباطها بالجانب القانونى للدولة نظرا إلى أن فكرة الدولة هي فكرة دخيلة على مجتمعنا ولم يعد يقتنع الافراد بنظمها ؛ فالمواطن  أكثر استجابة وارتباطا بالنظم القبلية العشائرية من ارتباطه واستجابته و أنظمة الدولة ؛ وبالتالي يكون من الصعوبة بمكان قيام دولة المواطنة التي يسعر فيها الفرد بانتمائه لها ؛ ومما يساهم في تراجع ولاء الأفراد للدولة هو غياب العدالة  وعدم تجريم بعض الظواهر مثل التمييز العنصرى على أساس اللون أو العرق وكذلك  التمييز  المناطقي وحتى العصبي  من خلال تقلد بعض الوظائف ؛ فالانتقال أو التحول من أطر القبيلة الى مفهوم الدولة يتطلب تفكيك وهدم كل البنى القبلية التقليدية؛ لكنه في المقابل كلما حاولت الدولة السير فى هذا التوجه كلما كانت هناك قوى شد عكسي تراهن على القبيلة كجهاز لا يمكن الاستغناء عنه لتصدر المشهد السياسي؛ وهكذا تكون الدولة فى مأزق حقيقي ؛ فإما أن تكون أو لا تكون ؛ بمعنى إما أن تتحرر كليا من قبضة ميليشيات القبائل؛ وإما أن ترتهن لهم وبالتالي تصبح دولة / قبائل؛ وهو  نكوص ورجوع  لا شك الى عصر تحكم رجالات القبائل وعود أبدي لإحياء النعرات والولاء المطلق للقبيلة على حساب الدولة ؛ فهل نحن فعلا قادرون على تأسيس جهاز سياسي أو جسم سياسي يتمتع بالقوة والسلطة والاستقلالية فى مواجهة تسلط وتغول  القبيلة ؛ أم أن عسر الانتقال من القبيلة إلى الدولة يجعل من الدولة مجرد بنيات حاضنة  لفيسيفساء القبائل  ؟ ولا شك  في أن الدولة  التى تحاول  أن تبسط  نفوذها وقبضتها مخافة  أن تكون مرهونة لرجالات  القبائل لازالت وكما عهدناها هي نفسها  التى تعيد إنتاج القبيلة وحتى الجهوية  وتؤسس  لاستمراريتها وليست  الانتخابات  البلدية والنيابية وحتى الرئاسية ببعيدة  منا ؛ فالتصويت عادة ما يكون لصالح ابن القبيلة او العمومة او الخؤولة  ؛ أو البحث عن المال والجاه ؛ وليس على أساس قناعة من برنامج المرشح وخطه الأيديولوجي وهو ما يجعل  الممارسة السياسية غير حرة وغير نزيهة  من أغلال وظلال القبيلة ؛ ما يجعل من كل حديث عن دولة المؤسسات مجرد شعارات فارغة ومعدة سلفا  للاستهلاك  السياسوي ؛ فإذا  كانت القبيلة قد  اختفت  كمؤسسة تنظيمية ؛ الا أنها لاتزال حية ترزق وحاضرة حضور الخمرة في الماء كنظام رمزي محدد وموجه للقيم والتصورات الممارساتية ؛ فإلى أي مدى سنتمكن من الخروج والتحرر من أسر القبيلة بغية تأسيس فكرة الدولة الحداثوية والتى تمحي فيها جميع الاعتبارات القبلية  . ؟

 

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد 

 

 

26. فبراير 2020 - 17:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا