موريتانيا ورحلة الهبوط / الحسن ولد امّانه

أيها السادة إنما تنهض الدول وتزدهر بازدهار أفكار قادتها، وتضمحلّ وتذبل بذُبول ذات الأفكار وانتصارِ فلسفة البطون على فلسفة النخوة والطموح ..

إنا إذا نظرنا إلى تسارع نموّ اقتصاد موريتانيا ونفوذها الدبلوماسي الهائل أيام المختار ولد داداه تتجلى الصورة بهيّةً، أيامها قادت وساطة ما بين الاتحاد السوفيتي والعملاق الصيني، وكذا ما بين مصرَ والصين، ورفض رئيسها زيارة الولايات المتحدة رغم الطلب تضامناً مع رئيس إفريقي، وأما النفوذ النبيلُ فى إفريقيا فعنه حدّث ولا حرج ..

اليوم ها نحن أحفاد المختار كلما خرجنا وسُئلنا من أين أنتم ؟. يكون لِزاماً علينا أن نُورد اسم موريتانيا مشفوعاً بهذه الجملة : بجانب المغرب !..

إنه العسكر وطغيان فلسفة البطون الطفولية ..

لا يقولنّ قائلٌ إن الشعب هو العائق، فأنت مهما غرّبت أو شرّقت قلّما تجد من لا يعرف الدوحة، وهي عاصمة دولة بالكاد يصل شعبها إلى ثلاثمائة وخمسين ألفَ نسمة، لا علماء أفذاذاً ولا رياضيين أعلاماً يكونون سببا فى الشهرة، وإنما هي حكومةٌ مسؤولة تعرف كيف تتصرف، وإذا ما أخذنا بما يدور فى خلَدك ( المال ) رغم أنه وسيلةٌ ليس إلا، وعندنا من الثروات ما يكفي، فخذ لك " سنغافورة " مثالاً آخر، كيف كانت وكيف أصبحت !..

سنغافورة التى بكى رئيس وزرائها ( لي كوان ) حزناً لحظةَ إعلان انفصالها عن ماليزيا 1965 لعلمِه بصعوبة الحال وشحّ الموارد، سنغافورة ذات الأعراق المتعددة واللهجات المختلفة، سنغفورة الفقيرة جداً والصغيرة جداً .. تحوُّلها مما كانت فيه إلى ما أصبحت عليه، أنصعُ دليل على أنّ الحكومات المسؤولة قادرة على صناعة التاريخ ..

وإنْ أنتَ قلت تلك آسيا وشعوبها الناهضة، قلت لك : خذ إليك رواندا الإفريقية، أرض الألفِ تلّة، رواندا ذات البِنية القبلية العنصرية، عنصريةٌ أودت بها إلى إبادة جماعية إثرَ اقتتال داخليٍ رهيب سنة 1994 .. كيف كانت وكيف أصبحت ؟!..
من أين استمدّت تلك القبائل المتناحرة الكادحة كل هذا الإبداع وكل هذا الطموح إلا تكنْ استلهمتهُ من حكومة مسؤولة تعرف كيف تتصرف ؟!..

والأمثلة كثيرة جداً وإنْ تفاوتت نُضجاً وروعة، جنوب إفريقيا، موريشيوس، إثيوبيا، سينكال، تونس، المغرب، الجزائر ..

وتكبرُ فى عين الصغير صغارُها ** وتصغرُ فى عين العظيم العظائمُ ..

منذو 1978 ونحن نحثُّ خُطانا إلى المِقصلهْ ..

ستون عاماً مضت، ومِن بين من استقلّ بعدنا دولٌ أضحى اقتصادُها يُناطح اليوم عنان السماء ..

نحن والناهبون :

كلانا بنفس الطريقِ  ..
وستون عاما من ' النّهب ' تكفي ..
لكيْ يحتفي ' ناهبٌ ' بالذي ' نهبَهْ ' ..
وستون عاما مضتْ ..
وها نحن نمشي على قدَمِ الأخْـيِلهْ ..

تصيح الظلالُ الطويلةُ من خلفنا ..
إلي أين يا تائهينْ ؟..
إلى أين يا تائهينْ ؟!..
ونحن نحثُّ خطانا إلى المِقصلهْ ..
لأنّا أفقْـنا على زمنٍ يكرهُ الأسئلهْ ..

إنهم يسرقونكم، إنهم يدمّرونكم، إنهم أيها السادة أعداء بكل ما تعنيه الكلمة من شُحنة دلالية !..

كامل الوجع ..

3. مارس 2020 - 7:37

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا