كان عظيما حضور بعض رموز الجيل الأول من الصحافة "للمؤتمر الصحفي" الذي عقده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، وعبر ذلك الحضور بصدق عن الأهمية التي يوليها السيد الرئيس شخصيا لدور الإعلام ومحوريته في بناء دولة المواطنة وتعزيز المكتسبات الديمقراطية ، في الحقيقة فقدت صاحبة الجلالة شرفها وطهارتها بعد ذلك الجيل وخلف من بعدهم خلف أفسدوا وشوهوا ولطخوا كل شيء نبيل في فن الصحافة والإعلام ، وبات الصحفي لا يكاد يرفع رأسه بل وينكر هويته المهنية خوفا من أن تطاله تلك الوساخة التي لحقت بصاحبة الجلالة في غفلة من الزمن ..!
اليوم نعول على إرادة فخامة رئيس الجمهورية وحكومته في بناء إعلام متوجه لبناء الآراء في السياسة وتطوير الاقتصاد وتعزيز الأمن ، وفق إستراتيجية قوية وفاعلة و قادرة على توفير مادة إعلامية قابلة للاستهلاك الداخلي والخارجي ، وقد سمحت مثل هذه المقاربات للدول التي تبنتها بحماية ثقافتها ومقدساتها الفكرية ووحدتها الاجتماعية، ونجحت في جعل الإعلام رافعة من روافع التنمية ، في حين بقيت الدول التي لم تستوعب خطورة وأهمية الإعلام جالسة على قارعة الطريق تستهلك ما ينتجه العالم عبر فضاء رقمي يختلط فيه الغث بالسمين.
إننا متفائلون أكثر من أي وقت مضى بترفيع إستراتيجية إعلامية واعية بمتطلبات المرحلة ومستوعبة في تخطيطها وتنظيرها الإصلاحي ، للواقع الذي بات يفرضه الإعلام الجديد والمجال الالكتروني بشكل عام ، فلا معنى لتجاهل إعلام أضحى هو الأول في قوة التأثير وسرعة الانتشار والقدرة على بناء الآراء وتوجيهها ، بل وأصبح المهيمن على الجماهير نتيجة تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية وعجزها عن مسايرة قوة ، وسرعة، وفاعلية هذا الإعلام.
نعم نستطيع أن نطور صناعة إعلامية رائدة ، غنية وثرية ، إن نحن تخلينا عن الخيارات السيئة التي تغمرنا بتنظيرها بالغ السطحية ،والبعيد كل البعد من الفهم الحصيف والتخطيط المحكم ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصحيح الاختلال دون إشراك الفاعلين والمهنيين من الشباب ، فلا يمكن بناء ذلك الإصلاح بعقول كانت جزءا من الواقع الحالي الذي يعيشه الإعلام و دأبت طيلة مشوارها المهني على تشويه وتفتيت المشهد الإعلامي وتغييب المهنية والقفز على المبادئ والأخلاقيات الناظمة للمجال الصحفي ، وليس من الحكمة منحها فرصة أخرى لتوريط قطاع الإعلام في واقع جديد نحن في غنى عنه ، فبلادنا تملك الكثير من الخبرات الإعلامية الكبيرة في الداخل وفي المهجر بمقدورها تقديم رؤية حقيقية مبنية على المهنية والإبداع .
في الواقع هناك فرص نجاح إعلامي هائل لم نستطع اقتناصها طيلة العقود الماضية ، مما جعل حرية الصحافة والنشر والتعبير التي نحظى بها تضيع في عباب بحر من الفوضى العارمة اجتاحت دون هوادة الحقل الإعلامي فراكمت مزيدا من الضبابية وغياب الرؤية ، فهجرت عقول وكفاءات كبيرة مجال الإعلام خوفا على تجربتها من العدوى الوبائية التي تكتسح بكل عنف هذا المجال الحيوي ، وقد أضحى المشهد الإعلامي الوطني منفلتا ومفتوحا على المجهول ، وبات من الواجب الأكيد أن يتم وضع حد لهذا الواقع ، وتخليص التجربة الإعلامية الوطنية وتصحيح مسارها من أجل بناء وصناعة إعلام وطني قادر على المشاركة بفعالية ومهنية في العملية التنموية التي نرجوا أن تقلع بالبلاد نحو التنمية الشاملة والمستقبل الآمن .
إن ما نطمح إليه هو إنضاج سياسة إعلامية واعية وملتزمة قادرة على الإقلاع بالمشهد الإعلامي من هذا الواقع المقلق ، ولا ينبغي على الإطلاق أن نتيح الفرصة لمراكمة المزيد من الخيبات ، ويجب أن يكون الإصلاح قويا وحاسما وربما مؤلما.