استقلت أهمية التعليم مكانا مركزيا في أعالي قمم قداسة القول حيث يقول جل من قائل : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وكذلك في السنة الشريفة:[ طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ]
ليس من العبثية إذا أن يفوز التعليم بهذه المكانة الرفيعة عند الله سبحانه و تعالى وعند نبيه صل الله عليه و سلم، فالتعليم هو الجسر الأوحد لبلوغ البشرية أرقى صنوف التقدم، و قديما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو : " جذور التعليم مرة لكن ثماره حلوة " ، و قد أضاف كذلك " المتعلم يختلف عن غير المتعلم بقدر اختلاف الحي عن الميت " و يقول الفلسوف جون ديوي : " التعليم ليس إعدادا للحياة بل هو الحياة نفسها "
وقد لا يختلف اثنان منا على أهمية التعليم لكن كيف نحقق نهضتنا ما دامت رهينة بالمعاني المعرفية ؟
ما لذي يثقل كاهل مؤسساتنا التعليمية ؟ قد لا تفي سطور قليلة بالإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى، لكن الإشارة ـ على الأقل ـ لما قد يساهم في اطلاع المؤسسة التربوية بأدائها على الوجه المطلوب، يبقى مسألة جوهرية تضيء معالم الطريق العام لتحقيق نهضتنا التنموية التي لا يمكن تحقيقها دون النهوض بتعليمنا بمستوياته المختلفة
إن ما يحيلنا إلى أنجع السبل لاكتمال أطراف العملية التعليمية داخل المؤسسة التربوية، هو في المقام الأول تعميق الرباط الطبيعي بين اللاَّزِمتين المعروفتين للفعل التربوي ( الأستاذ ـ الطالب )، و ذلك لا من خلال العلاقة الرسمية المتمثلة في فعل التدريس فحسب بل أيضا في العلاقة شبه الرسمية المتمثلة في الفعل المشترك بين اللازمتين، أي إقامة شراكة فعلية ترمي إلى تنمية المواهب و القدرات و الخبرات ضمن مجالات الإبداع التي ظلت على مر الزمن العمل الموازي و المكمل للعملية التربوية و الأكاديمية.
علينا أن لا ننسى أو نتناسى في هذا الظرف أن إعداد جيل راق في تفكيره و متنوِّر بوعي خلاَّق في سلوكه من خلال المؤسسة التربوية و الأكاديمية كأداة لما يمكن أن نسميه (صناعة الأجيال )، أن هذه المؤسسات مدعوَّة إلى تشجيع البحث العلمي والإبداع و تكثيف الأنشطة الثقافية داخل الحرم الجامعي و المحيط المدرسي بصورة عامة، هذا هو الذي يمثل التكامل الطبيعي لإعداد الأجيال المتنورة بنور الحضارة و التقدم، و خاصة على المستوى القاعدي.
غير أنه علينا أن لا ننسى أو نتناسى أيضا، في مستوى آخر، أن دور المؤسسة في ترقية أشكال الإبداع لا يتوقف عند برمجة و رعاية هذه المحفزات الضرورية لدى طلابها، بل أيضا تنمية مظاهر التعلق و التشبث بهذه الأبعاد من رسالتها السامية لدى الطلاب ليرتادوا هذه الميادين بنهم و تفان حقيقيين، و ليبتعدوا أكثر فأكثر عن الانجراف في اهتمامات تتجاوز المؤسسة و تخلق أجواء من الطموح الخارج عن المسارات الطبيعية لوظيفتها التربوية و الأكاديمية.
و هكذا نستطيع صناعة جيل متشبث بقيمه، فخور بها، متمكن من ولوج الفضاءات العلمية و التقنية المعاصرة بكل جدارة، و قادر على دفع محركات التنمية الشاملة.