النظام التربوي كمحدد للمشروع الهوياتى / السيد ولد صمب انجاي

يمثل الإصلاح التربوي الموريتاني أحد التحديات والمرتكزات الكبري ؛ التى واجهت وتواجه حكومات مورينانيا المتعاقبة على دفة الحكم فى البلد ؛ ولقد عاشت منظومتنا التربوية عدة إصلاحات  (تحدثنا عنها فى مقال سابق ) ؛ ولقد حظي قطاع التعليم وكغيره من القطاعات الأخرى حيزا كبيرا فى المشروع النهضوي لفخامة رئيس الجمهورية؛ الذي أولى لهذا القطاع عناية خاصة ؛ سواء من ناحية البنى التحتية أو المصادر البشرية ؛ ونظرا لما تجسمه الإرادة السياسية والتى هي إنعكاس للارادة الشعبية ؛ فقد كان للاهتمام المتزايد بالتعليم من لدن رئيس الجمهورية صدى كبيرا على أداء الأسرة التربوية التى لاتزال تنتظر على حر من الجمر ترجمة تلك الاقوال إلى افعال  ؛ خاصة أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالانجازات الواقعيه  ؛ كما سيكون لها إنعكاس إيجابي  يلامس  هموم  الاسرة التربوية ؛ إلا  أن الإصلاح يتطلب نوعا من التدرج ؛ لأن تعجيله قد يحد من فعالية ما نصبو إليه ؛ فنظامنا التربوي عاش نوعا من الفوضوية لم يسبق لها مثيل ؛ فهو يعانى من اختلالات جمة ؛  خاصة  المستوى البيداغوجي التربوي ؛ وكذا مستوى البنية التحتية التى تشهد الآن قفزة نوعية من حيث الكم والكيف  ؛ إضافة الى المستوى المادي المزري  للمدرس ؛ مما ينعكس سلبا على أداء هذا الأخير والتلميذ الذي هو حجر الزاوية .

فالنظام التربوي فى بلدنا مريض؛ ويتربع على سرير الإنعاش؛  إنه يحتاج الى طبيب اكلينيكي وهو ما يتطلب التأنى والصبر لقطف ثمار الإصلاح الذي ننشده جميعا ؛ ونعتقد جازمين أن أول مرض يعاني منه  نظامنا التربوي يتمثل فى طبيعة  المادة التى ندرس بها ؛ وخاصة قضية  اللغة التى أضحت اليوم حديث الصالونات؛ لأن مشكلة  التدريس وخاصة المواد العلمية باللغة الفرنسية يطرح اشكالا عويصا ؛ انعكس بظلاله على تحصبل الطلاب  الذين تعالت  أصواتهم  منذ بعض  الوقت  للمطالبة بالتعريب ؛ والرجوع الى المناهج القديمة لتدريس المواد العلمية بلغة الأم؛ التى يرى خبراء التربية أنها تشكل الرافد الأساس فى تمكن الطالب أو التلميذ من التحصيل المعرفي وربطه بهويته ؛ فهي  عوامل تساعد على تشبث النشء بهويته وثقافته احتماء من الاغتراب السلبي  ؛ ولا شك أن ضعف الطلاب يعود  أساسا إلى عدم  تمكنهم من اللغة  التى ندرس بها خاصة  المواد  العلمية ؛ فالمدرسة  الموريتانية عاشت  ولازالت  تعيش مشاكل فنية ؛ والتى يمكن معالجتها  بحلول وإجراءات " فنية " أي  معرفية  وبيداغوجية إجرائية ؛ وأخرى  جوهرية  وهيكلية  لا يمكن  معالجتها  إلا بإجراءات جذرية عميقة ؛ ومن أهم هذه المشاكل أيضا الفنية ضعف مكتسبات المتعلمين فى اللغة الأم واللغات الأجنبية؛ كما أن طغيان الجانب التراكمي التلقيني؛ والبعد النظري على التعلمات وكثرة المواد التى يتلقاها التلميذ وعدم ترابطها ؛  يشكل هو الاخر عائقا أمام التحصيل لدى ناشئتنا . 

كما ينضاف الى هذه المشاكل معضلة التلقين والاملاء وغياب التواصل والمركزية وضعف مشاركة كل الفاعلين _  وإن كان القيمون الجدد على الوزارة سلكوا باب سنة التشاور والانفتاح علي كل من له صلة بالقطاع الفتي  _  ؛ غير أن هذه الاختلالات عميقة وكبيرة  تتطلب تضافر جهود الجميع ؛ ومما يساهم في تلك المشاكل والاختلالات تفاقم ظاهرة الغش داخل الفضاءات المعرفية  ؛ خاصة فى الإمتحانات والمسابقات ؛  وتدهور البنى المادية للمؤسسات والنقص الفادح في التجهيزات ؛ والوسائل البيداغوجية وسوء التسيير للموارد البشرية وغياب الجودة والحوكمة والقيادة الرشيدة والتأطير التربوي والبيداغوجي عن فرب ؛  والمصاحبة والتكوين المستمر ؛ كل هذه المشاكل مجتمعة تساهم من قريب أو بعيد فى الحد من التحصيل المعرفي للتلميذ الذي هو حجر الزاوية في العملية التربوية ؛ وتكاد تؤرق صفو القيمين على الشأن التربوي .

وهكذا  فالاصلاح لا يمكن تحقيقه دون  تشخيص وإبراز  لهذه  المشاكل الجوهرية ومعالجتها جذريا ؛ خاصة مشكلتي  الهوية ولغة  التدريس ؛ وحتى أسس المشروع المجتمعى التربوي الذي يجيب عن التساؤلات : من نحن ؟ وماذا نريد لأجيالنا ؟ وما سمات الإنسان الذي نريده ؟ وما مقوماته من حيث القيم والمواقف والسلوكات ؟ بمعنى آخر ما غايات النظام التربوي ومقاصده وأهدافه ؛ وأية مكانة للغة الأم اليوم ؛ وما ينعكس على  ذلك من برامج ومناهج وتكوين وتقييم . ؟

هذا هو بيت الداء وأساس الدواء ومن ثمة يكون ذلك الجواب الشافي الكافي  للسؤال عن  أي إصلاح تربوي نريد ؟ هل هو إصلاح في الصميم ؛ أم مجرد ترقيع وترميم وطلاء للرأس ؛ فالاصلاح الذي ننشده  يتسم بأنه جذري وشامل ويمس الجانب الهوياتى خاصة  لمجتمعنا ذى الاثنيات المتعددة ؛ هذا التعدد الذي يدل على ثراء  وغنى ثقافتنا  الإسلامية  الضاربة في القدم ؛ وهو ما يجب أن  ينعكس فى مناهجنا  التربوية ؛ خاصة أن المدرسة الموريتانية تخلت عن دورها ؛ فلم يعد دورها يتوقف على التحصيل المعرفي وحده والتلقين والحفظ ؛ وإنما تكمن وظيفتها في نحت وإعداد  شخصية الطفل وادماجه فى الوسط الإجتماعي والثقافي ؛ لكن مدرستنا المسكينة وبفعل تخبط السياسات التربوية العشوائية؛ لم تعد لتضطلع بدورها المتمثل في تربية الأجيال كي يحافظوا على قيم المجتمع ؛ ولم تعد تساهم فى تكوين الإنسان القادر على التواصل مع تراثه وهويته في ظل إنتشار ثقافة التغريب والاستلاب ؛ ولا ضامن لأي إصلاح تربوي حقيقي لا يولي التربية  لترسيخ الهوية العربية الإسلامية لدى الناشئة وتجذير اعتزازهم بأصالتهم و انتمائهم الحضاري والثقافي ؛ مع التأكيد على الانفتاح على الآخر دون الذوبان فيه أو التخلي عن الهوية  ؛ وكذلك فإن أي إصلاح لايولي الاهتمام  للغة الأم  محكوم عليه بالفشل لا قدر الله . 

 

 

 

10. مارس 2020 - 14:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا