لقد انتشر خطاب الكراهية فى الآونة الأخيرة مشحونا بنوع من التشنج واللامبالاة لما قد ينتج عن ذلك من مآلات قد لا تحمد نتائجها ؛ وحتى لا يمكن التنبؤ بها ؛ ومما زاد الطين بلة وفاقم من تنامى هذه الظاهرة المقيتة هو التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام المتنوعة ؛ التى ساهمت بصورة كبيرة فى تفشى الظاهرة ؛ فما أسباب انتسار خطاب صناعة الكراهية ؟ وما آثاره ونتائجه على البنية الاجتماعية ؛ وهل للتأويل الدينى الخاطئ دور فى تكريس وتنامى هذه الظاهرة ؟ . الواقع أن هنالك عوامل جمة تساعد على تنامى ظاهرة صناعة الكراهية منها على سبيل المثال لا الحصر الغبن والتهميش وعدم تقبل الآخر بحجج واهية ؛ ومما يفاقم من وجود هذه الظاهرة ويجعلها خطيرة أن ترعاها أياد ناعمة خارجية وموجهة ؛ يكون الغرض منها تفكيك بنية تلك البلدان ؛ لزرع النعرات والقلال فيها سواء كانت ذات طابع عرقى او مذهبي او دينى ؛ فخطاب الكراهية يعنى الخطاب الذى يحمل فى طياته النبذ والحقد على مجموعة او مجموعات ؛ عادة ما يحمل ايضا شحنة من اللااعتراف والرفض للآخر ؛ إما على أساس ايديواوجي أو ديني أو عرقي او مذهبي ؛ و تساهم على انتشاره وسائل التواصل الاجتماعي ؛ حيث يتم استقطاب شرائح ومجموعات للانضمام إلى جحافل مسوقى خطاب الكراهية الذين يحملون أفكارا ومعتقدات وحتى ألفاظ شوفينية عدوانية ازاء مجموعات بشرية أخرى؛ فلا يكاد يسلم من تلك الظاهرة بشر ولا حجر ؛ وحتى الذات الإلهية لم تسلم هي الاخرى من جحيم هذه الظاهرة ؛ فظهر الإلحاد في البر والبحر ؛ كما ظهرت الفتنة بين الناس ؛ مع العلم أن هؤلاء الذين يوقدون نار هذه الفتنة ؛ لا يمكن لهم التحكم فى مآلاتها فى حال نشوبها لا قدر الله.
إن اخطر الحروب التى تقوم على صناعة الكراهية ؛ واكثرها وحشية هي التى ترنكب باسم الدين ؛ ولا شك أن البشرية عاشت الكثير منها ؛ مثل حرب البوسنة والهرسك ؛ حيث ارتكبت مجازر أثناء تدخل القوات الصربية لأسباب دينية وعرقية ؛ زد على ذلك الحروب التى استعرت بين الكاتوليك والبروتستانت في ألمانيا خلال القرن السابع عشر الميلادي ؛ كما أن من اسباب ودواعي إنتشار صناعة خطاب الكراهية تخلي الأسرة عن تربية الأبناء على تقبل الآخر ؛ إضافة إلى الانغلاق الذي يكون بين الأسر واحجام البعض منها عن الانفتاح على البعض الآخر ؛ كما ان مؤسسات التعليم يجب أن تلعب دورا أساسيا للحد من خطاب الكراهية وتحديث المناهج لتتلاءم وروح العصر مراعاة للتنوع والتعدد ونشر ثقافة الاختلاف بين مكونات مجتمعنا ؛ رفضا للتهميش والغبن الذي يكون أحيانا ترعاه القوى والانظمة الاستبدادية وبمباركة من القوى الظلامية الاقطاعية التقليدية المتوارثة التى قد تكون أحيانا تساهم فى إنتاج صناعة الكراهية ؛ عن طريق الإقصاء لبعض الشرائح الأخرى ؛ ولهذا يتطلب من حكام الدولة وكافة هيئاتها ووسائل الإعلام المرئي واللامرئي ؛ ومنظمات المجتمع المدني والقادة السياسيين والوجهاء والمؤسسات الدينية أن يساهموا كل من موقعه لمواجهة خطاب الكراهية وأن يعملوا على دحره واستئصاله من جذوره ؛ وذلك بتجفيف منابعه من غبن وتهميش وعدم تقبل للآخر ؛ سعيا الي ترسيخ قيم التسامح والتآخي والتعايش السلمي ؛ والعمل على ملء فراغ الشباب وذلك عن طريق خلق فرص التشغيل لامتصاص البطالة ؛ فلا يكفي فقط العمل على توجيه النقد والكلام عن خطاب الكراهية ؛ بل لا بد من صياغة خطاب بديل طافح بالمحبة والتآخي والإنصاف ؛ واعادة مراجعة وصياغة الخطاب الديني ؛ لاظهار صورة الدين الناصع البعيد من وحل خطاب وصناعة الكراهية التى هي من اختلاق البشر والدين بريء منها ؛ وأنه دين جامع يدعو للمحبة الانسانية ؛ بعيدا عن لغة السيف والتقتيل والترويع والترهيب وسفك دماء الأبرياء ؛ إنه دين لكل البشرية دون تمييز أو إقصاء ؛ فنحن حينما نتكلم عن توجيه النقد ؛ أو إعادة صياغة الخطاب الديني على أسس جديدة ؛ فلا يعني ذلك سوى نقد نظريات ومواقف المفسرين للدين وليس الدين نفسه ؛ أي أن النقد هنا موجه بالأساس لهذه التأويلات والتفسيرات بصفة خاصة .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد