هل المناخ الموريتاني الحار والمجتمع الشاب يحمي من التأثيرات الشديدة لفيروس كورونا؟ من اجل ان اجيب علي هذا التساؤل سأقوم أولا بتحديد العوامل التي تساهم في انتشار الأوبئة الفيروسية بشكل عام وتأثيرها علي فيروس كورونا بشكل خاص وبعد ذالك سأتطرق الي الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالتأثيرات الشديدة لفيروس كورونا طبقا للمعطيات المتوفرة حول العالم ومقارنتها بالحالة الموريتانية.
فيما يخص العوامل, فقد حدد العلماء 4 عوامل قد تساهم في انتشار الاوبئة الفيروسية بشكل عام. ومن اهم تلك العوامل:
المناخ:
يعتبر المناخ وخاصة الرطوبة عامل مهم في انتشار الأوبئة الموسمية مثل الانفلونزا, وهناك من يعتقد ان هذا الوضع ينطبق علي فيروس كورونا ((SARS – CoV – 2 وانه سيختفي خلال فصل الصيف بناء علي التجربة التي حدثت مع فيروس سارس 2003. وللعلم فان فيروس سارس لم يختفي لأسباب طبيعية فحسب وإنما كان ذالك نتيجة العمل الجبار الذي قامت به السلطات الصحية في البلدان التي تفشي فيها المرض. حيث قامت تلك البلدان بعزل كل الحالات المصابة والتي كانت هي مصدر انتقال الفيروس. ولكن فيما يخص فيروس كورونا فان تأثير المناخ غير معروف حتى الان, ولكن قد نتوقع حدوث انخفاض طفيف في المناطق الحارة والرطبة, إلا انه لا توجد الي اليوم أي دراسة تثبت ان هناك تأثير لعامل الرطوبة علي هذا الفيروس. بل ان كل العوامل تشير الي ان الفيروس ينتقل في مختلف الفصول والبيئات حيث شاهدنا ذالك في مدن ذات مناخ مختلف في الصين وسنغافورة, ولكن حسب خلاصة بحث جديد لم يتم نشره بعد فانه يمكن ان يكون لعوامل اخري تأثير علي انتشار هذا الفيروس مثل الكثافة السكانية والبنية التحتية الصحية وكذا الفرق في طول الايام والأشعة الفوق بنفسجية الخ.
السلوك البشري
يعتبر السلوك البشري احد العوامل المهمة في انتشار بعض الامراض الفيروسية, ويساعد في ذالك زيادة الاحتكاك بين الافراد وقت وجود العدوي. ولكي نوقف انتشار الفيروس يجب ان نحدث تغييرات شاملة في سلوكنا اليومي وقد تلجا السلطات الصحية الي تطبيق ما يعرف بالابتعاد الاجتماعي, حيث يتم غلق المدارس والجامعات والمطاعم وفرض حظر التجوال وما الي ذالك لكي تخفف من سرعة انتشار الفيروس, ولكنها لا تقضي عليه فلطالما بقي الفيروس عند شخص واحد سيعود الوباء لا محالة. وهذا بالضبط ما يمكن مشاهدته في حالة فيروس كورونا لان هذا الفيروس يمكن ان ينقله اشخاص لا توجد لديهم أي اعراض ولا أسباب تجعلهم يخضعون للحجز الصحي وبالتالي قد لا يتم تشخيص اصابتهم ويبقوا مصدر خفي لانتشار الفيروس داخل المجتمع. كما ان اجراءات الابتعاد الاجتماعي لا يمكن ان تستمر طويلا نظرا لارتباطها بحياة الناس اليومية. وبالتالي يجب ان تكون هذه العملية مبنية علي عدد الإصابات المسجلة فعندما تصل الإصابات الي رقم معين حسب القدرة الاستيعابية للنظام الصحي يتم فرض تلك الاجراءات وعندما تنخفض الإصابات الي رقم محدد يتم تخفيفها وهكذا حتى يتوفر لقاح يمكن من الحصول علي مناعة جماعية.
النظام المناعي للمضيف
يعتبر الجهاز المناعي للمضيف عامل حاسم في مقاومة الفيروس, ولكنه يختلف باختلاف الأشخاص كما يختلف باختلاف الفصول, وفي ما يخص فيروس كورونا فان الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة قد لا يتأثرون بالفيروس وقد لا تظهر عليهم أي اعراض ولكنهم بالمقابل يشكلون خطر علي المجتمع, اما الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة او لديهم ضعف مناعي فيعتبرون الأكثر عرضة للخطر وربما الوفاة. وبالتالي يعتبر الحل الجذري للقضاء علي الوباء هو توفير الفحوص التي تمكن من البحث عن الاجسام المضادة عند جميع الأشخاص داخل المدن التي ينتقل فيها الفيروس حتى يتم عزل كل الأشخاص الحاملين للفيروس من اجل كسر حلقة الانتشار.
فيما يخص الفئات الأكثر عرضة للتأثيرات الشديدة لهذا الوباء, فان هناك فرضية تقول ان الكبار في السن هم الأكثر عرضة للتأثيرات الشديدة للفيروس وتعتمد تلك الفرضية علي المعطيات القادمة من الصين. ولكن المعطيات القادمة من الولايات المتحدة تقول عكس ذالك, حيث اظهر تقرير صادر يوم 18 مارس 2020 ان 38% من المرضي داخل المستشفيات تقل أعمارهم عن 55 سنة, وتقول المعطيات الصادرة من هولندا ان نصف مرضي وحدات العناية المركزة تقل أعمارهم عن 50 سنة, مما يعني ان تأثير المرض لا يرتبط بعمر الشخص في حد ذاته وإنما بعوامل اخري مثل هل الشخص المصاب مدخن او لديه مرض مزمن او يعيش في منطقة ملوثة الخ.
وكخلاصة نستنتج من كل هذه المعطيات ان المجتمع الموريتاني الشاب والذي يعيش في مناخ حار هو أيضا معرض لخطر الإصابة بالتأثيرات الشديدة لفيروس كورونا, لان هناك نسبة عالية من المدخنين وخاصة بين الفئات الشابة مما يجعلهم الفئة الأكثر عرضة للخطر في موريتانيا ويأتي من بعدهم أصحاب الامراض المزمنة وبدرجة اقل عمال بعض المصانع.
وبالتالي يجب علي الجميع ان يطبق الإجراءات الاحترازية من اجل حماية نفسه وحماية مجتمعه كما يجب علي السلطات ان تعمل علي دعم البحث العلمي والقيام بمسح شامل في مدن نواكشوط, انواذيبو وروصو من اجل معرفة كل الأشخاص الحاملين للفيروس. كما ان هذه فرصة للدعوة لإنشاء مركز وطني لمراقبة الأوبئة والاستفادة من وجود خبراء وطنيون في مختلف التخصصات العلمية قادرة علي تقديم الحلول العلمية في الوقت المناسب والمستنبطة من واقع المجتمع وليست المستوردة. فوجود مثل هذا المراكز سيساعد أيضا علي المدي المتوسط والبعيد ان تكون لدينا استقلالية في انتاج بعض الفحوص واللقاحات والأدوية بالشراكة مع بعض الشركاء الدوليين كما هو معمول به في المغرب والسنغال ومالي وبنكلادش الخ.
وفي الختام ارجوا مشاركة هذا الرابط مع الأشخاص الذين عادوا الي موريتانيا مؤخرا من اجل جمع معطيات عن الحالة الوبائية في موريتانيا.