هذا هو المقال الخامس من سلسلة مقالات "معا للتوعية ضد كورونا"، وفي هذا المقال سنتحدث عن نداءات استغاثة تأتي من موريتانيين في الخارج ، أغلبهم طلاب، وسنتحدث بصراحة قد تبدو قاسية للبعض، ولكنها في اعتقادي صراحة ضرورية، ففي أوقات الأزمات يكون من الواجب الرفع من مستوى الصراحة حتى يصل إلى أعلى مستوياته.
إنه لابد من القول ـ وبصراحة شديدة ـ بأن هناك بعض الموريتانيين الذين كانوا يوجدون في دول ظهر فيها فيروس كورونا المستجد، قد ارتكبوا أخطاءً جسيمة في حق أنفسهم، وفي حق ذويهم ووطنهم.
وحتى لا نظلم أحدا، فإنه علينا أن نميز بين ثلاث حالات أو ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: تخص كل الموريتانيين الذين كانوا يعملون أو يقيمون بشكل دائم أو شبه دائم في بلدان ظهر في الفيروس.
الطائفة الثانية : الطلاب الذين كانوا يواصلون دراستهم في بلدان ظهر فيه الفيروس، وكانوا يتلقون منحا أو يوفر لهم ذويهم موارد مالية لمواصلة دراستهم.
الطائفة الثالثة : تضم كل الموريتانيين الذين كانوا يوجدون بشكل مؤقت في بلدان ظهر فيها الفيروس، وكانوا هناك من أجل مهام محددة، كزيارات العمل أو رحلات العلاج....إلخ
إن الطائفة الأخيرة ـ أي الثالثة ـ ليست معنية بهذا المقال، فهذه الطائفة قد يقبل منها ما لا يقبل من الطائفتين الأولى والثانية، ويحق لها أن تترك بلدانا ظهر فيها الفيروس، وأن تطالب بالعودة إلى بلدها في مثل هذا الظرف العصيب، وذلك لأنها لا تتوفر على شروط الإقامة، وقد لا تمتلك الموارد الكافية للبقاء في بلد الإقامة . أما أهل الطائفة الأولى والثانية فلا يقبل منهم الضغط من أجل العودة إلى بلدهم، خاصة وبعد أن تم إغلاق المعابر، وذلك لسببين اثنين:
الأول : أن ديننا الإسلامي يدعو إلى البقاء في مكان الوباء، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها".
الثاني: أن الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني كان يقتضي من أولئك البقاء في البلدان التي ظهر فيها الفيروس، وذلك حتى لا ينقلوا الوباء لذويهم ولوطنهم، أو على الأقل حتى لا يكلفوا بلدهم ـ في هذا الظرف العصيب ـ توفير حجر صحي جماعي ومكلف لمدة 14 يوما.
المؤسف حقا، هو أننا سمعنا في الأيام الأخيرة عن موريتانيين يحملون شهادات عالية، تركوا بلدانا أوروبية ظهر فيها الوباء، وتسللوا إلى داخل موريتانيا دون أن يمروا بأي حجر صحي، وذلك بعد أن غالطوا السلطات، وقالوا بأنهم كانوا يقيمون في السنغال، وكأنهم بذلك قد أرادوا أن ينقلوا المرض إلى ذويهم وإلى أبناء وطنهم.
اليوم يُطلق بعض الطلاب وموريتانيين آخرين يقيمون في بلدان ظهرت فيها عدة إصابات بالفيروس نداءات استغاثة للسماح لهم بالدخول إلى بلدهم. كان على أولئك أن يضحوا قليلا من أجل وطنهم، وكان عليهم أن يقبلوا بالبقاء في البلدان التي كانوا يقيمون بها، خاصة وأن تلك البلدان لم تقصر في حقهم، وكانت تعاملهم بما تعامل به مواطنيها. كان عليهم البقاء هناك، فذلك هو ما يدعوهم إليه ديننا الإسلامي الحنيف، وذلك هو ما يفرضه الواجب الوطني، وذلك هو ما تتطلبه قيم النبل والشهامة.
كان عليهم في حالة أن واجهوا بعض المشاكل المادية أن يطلبوا من حكومة بلدهم أن ترسل إليهم إعانات مالية، أما أن يقرروا العودة إلى أرض الوطن بعد إغلاق الحدود، فمثل ذلك لم يكن بالقرار الصائب. طبعا هناك موريتانيون كثر قرروا البقاء في بلدان ظهرت فيها إصابات بالفيروس، وهؤلاء يستحقون كل التقدير والاحترام على تضحياتهم، وعلى مخاطرتهم بحياتهم من أجل سلامة وطنهم.
إن من حق كل موريتاني أن يعود إلى وطنه متى أراد، وذلك حق لا جدال فيه، ولا يمكن الاعتراض عليه ، ولكن الاعتراف بذلك الحق لن يمنع من القول بأنه لم يكن من المناسب من بعد إغلاق المعابر أن يقرر موريتانيون كانوا يمتلكون إقامات طويلة المدة في بلدان ظهر فيها الفيروس، أن يتركوا تلك البلدان ويشدوا الرحال إلى بلدهم في مثل هذا الظرف العصيب، ولكن ما داموا قد قرروا ذلك، وما داموا قد وصلوا بالفعل إلى الحدود، فلم يعد بالإمكان تجاهلهم أو منعهم من الدخول إلى بلادهم. لقد أصبح من اللازم السماح لهم بالدخول، ووضعهم من بعد ذلك في الحجر الصحي حتى يكملوا فترة الأربعة عشر يوما.
حفظ الله موريتانيا..