هذا هو المقال السادس من سلسلة مقالات "معا للتوعية ضد كورونا"، وفي هذا المقال سنواصل الحديث عن أزمة الموريتانيين العالقين على الحدود مع السنغال، وذلك لنقل ـ وبصراحة شديدة يقتضيها المقام ـ بأن فتح وإغلاق الحدود ليس عملية في منتهى البساطة كما يتخيل ذلك البعض. إن فتح وإغلاق الحدود ليس كفتح وإغلاق باب المنزل، الذي يمكننا أن نفتحه متى شئنا ليدخل من نريد إدخاله، ونغلقه متى نشاء في وجه من لا نريد دخوله.
هذه الحقيقة لابد من قولها الآن، خاصة وأننا نسمع دعوات كثيرة بفتح الحدود، وذلك بمناسبة أول عملية اختبار جدية لقرار إغلاقها...للأسف نسمع ذلك من أشخاص كانوا وإلى وقت قريب جدا، ينتقدون الحكومة الموريتانية بشدة، وذلك لأنها تأخرت كثيرا في إغلاق الحدود!
بالأمس كانوا يطالبون وبإلحاح بإغلاق الحدود، واليوم يطالبون وبإلحاح أشد بفتحها بشكل مؤقت، ولا شيء تغير بين الأمس واليوم، سوى أن فيروس كورونا يزداد انتشارا قرب حدودنا!
هل يوحي هذا التذبذب بجدية صناع الرأي في بلادنا؟
هناك جملة من الأمور لابد من توضيحها في هذا المقام :
1 ـ أن إغلاق الحدود في وجه فيروس كورونا المستجد كان مطلبا شعبيا واسعا، ذلك ما عكسته في الأيام الماضية مواقع التواصل الاجتماعي، وتصريحات السياسيين، وأحاديث الناس في الصالون.
2 ـ إن إغلاق الحدود مع السنغال ومالي كان باتفاقيات ثنائية، أي أنه لم يكن قرارا موريتانيا من طرف واحد، حيث يمكن للحكومة الموريتانية أن تتراجع عنه متى شاءت، وكيفما أرادت؟
وبالمناسبة فإن الحكومة الموريتانية كانت تسعى لإغلاق الحدود من قبل الموعد الذي أغلقت فيه، وهذه معلومة أهديها للذين انتقدوها كثيرا على تأخيرها في إغلاق الحدود، وكانوا يقولون بأنها لم تغلق الحدود إلا بعد أن أغلقتها عمليا الدول المجاورة لها.
نعم لقد كانت الحكومة الموريتانية تسعى لإغلاق الحدود من قبل الموعد الذي تم فيه إغلاقها، ولكنها قررت احتراما للأخوة وعلاقات الجوار، وضمانا لنجاح قرار الإغلاق، أن يكون القرار نتيجة لاتفاق ثنائي، ولم تكن بعض حكومات الجوار متحمسة لإغلاق الحدود، وهذا ما أدى إلى تأخر القرار.
يعني ذلك الكلام بأن أي طلب قد تتقدم به الآن الحكومة الموريتانية لفتح الحدود بشكل مؤقت قد تستغله بعض دول الجوار لمطالبات أخرى بفتح الحدود بشكل مؤقت، الشيء الذي قد يفرغ القرار من أي معنى.
ثم إن فتح الحدود بشكل مؤقت أمام الموريتانيين العالقين في السنغال، سيكون مناسبة لمطالبات كثيرة أخرى لفتحها أمام آلاف الموريتانيين الموجودين حاليا في مالي والسنغال والمغرب وتونس والجزائر، وحتى في بعض الدول الخليجية والغربية..هناك آلاف الموريتانيين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم في ظل تفشي فيروس كورونا في بلدان إقامتهم، وإذا ما فتحت الحكومة الموريتانية الحدود بشكل مؤقت لدخول عدد من الموريتانيين، فلن يكون بإمكانها مستقبلا أن تحرم موريتانيين آخرين يرغبون في العودة إلى بلدهم، فذلك هو ما تفرضه المساواة بين الموريتانيين الموجودين حاليا في الخارج. إن قرار فتح الحدود بشكل مؤقت لصالح العالقين على الحدود في السنغال، سيؤدي إلى عدة قرارات مماثلة، وستكون المحصلة النهائية دخول آلاف الموريتانيين القادمين من دول موبوءة، وحينها ستجد الحكومة الموريتانية نفسها متفرغة لمسألة واحدة وواحدة فقط، وهي توفير الحجز الصحي لآلاف الموريتانيين القادمين من دول تفشى فيها فيروس كورونا.
لقد استمعت البارحة ومن خلال قناة تلفزيونية محلية إلى جزء كبير من مداخلة لأحد الموريتانيين العالقين في الحدود مع السنغال، وسمعته يقول بأنهم يرفضون تبرع رجل أعمال كان قد تبرع لهم بالإقامة والاستضافة في فندق يملكه في السنغال، وبأنهم يرفضون ـ بالمجمل ـ أي تسوية لقضيتهم لا يترتب عليها دخولهم إلى موريتانيا.
لقد فهمت من كلام المتدخل بأنهم كعالقين لا يريدون أي حل لا يعيدهم إلى بلدهم، و بأنهم يسعون إلى الضغط على النظام ـ وبكل ما هو متاح ـ حتى يرضخ لمطلبهم القاضي بفتح الحدود أمامهم.
كثيرٌ من الأنانية وعدم تقدير ظروف البلد أحسسته في كلام المتدخل، وقد جعلني ذلك أعيد النظر في موقفي من القضية، فأنا وإن كنتُ أرفض أي عملية فتح للحدود إلا أني تعاطفت مع العالقين في مقالي السابق، وذلك نظرا لوضعيتهم الخاصة. في هذا المقال أجدد القول بأن المصلحة العليا للبلد تقتضي في مثل هذا الظرف العصيب بقاء الموريتانيين المقيمين في بلدان تفشى فيها الوباء في بلدان إقامتهم..ذلك هو ما تقتضيه المصلحة العليا للبلد، وذلك هو ما يطالب به ديننا الإسلامي الحنيف، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها".
حفظ الله موريتانيا..